top of page
صورة الكاتبأميمة محمد

آنات البجع


أحببتك حين الصمت أطبق علي الأماكن وسكون الكون حل في ظلامه كلغة في حد ذاته و ابقيت علي حبك إلي أن انتهي العمر وشاب شعر الرأس والابتسامة لم تفارق وجهي كلما أتذكر أيامنا سوياً ... والآن .......أراها دائماً من خلف نافذة حجرتي الضيقة المكدسة بالكتب واللعب ...تقف عند الشجرة الجوفاء الخالية من أوراق الشجر ومكتوب علي جذعها اسمه واسمها ... كشاهد عيان علي مر الزمان، علي قصتهما وذكرياتاهما معا . واتساءل دوماً لماذا بعد كل الأيام الفائتة لم افاتحها في هذا الموضوع بالذات ؟... فيومياً وفي نفس الموعد أراها علي مدي سنين طويلة تقف باشتياق وكأنها تنتظر عودته ... ولكن ... ألا تعلم أنه لربما لا يعود أبداً ... ألا تمل الانتظار ... لماذا لا تتساءل عما إذا كان خانها وأنه قد أسر فراقها عن لقائهما... لماذا لا تودع ذكرياته وتنساه للأبد ... هل كان دوما يستحق منها الحب والانتظار والصمود بعد كل هذا ؟!... بعد كل ليالي السهر والدموع التي ملأت صمت وسكون الليل في ليالي الفصول الطويلة والقصيرة ... الهواء المحمل بالأتربة الصفراء يهب من كل جهة ويرتطم بشدة بزجاج النافذة وأوراق الشجر الذابلة تطير في كل مكان حول المنزل وحولها والأتربه تحجب عني رؤيتها ... وهي مازالت ثابتة في مكانها برغم خمول الطقس تعطي ظهرها للمنزل وتنظر في الفراغ البعيد علي الطريق الذي يبدو الآن وقد اعلنت كل شجيراته الرحيل هذا العام. ارتديت معطفي ونزلت السلالم أتردد في أن أذهب إليها فالجو عاصف والأتربة الصفراء تخنقني وتحسسني بالكآبة ... ولكني تجرات أخيراً علي الخروج ورحت أجري في تثاقل برغم دفع الهواء لي لأرجع للخلف واتنحي عن الذهاب ... نحو شجرة ذكرياتها الجوفاء.... ورغم أنها احست بقدومي إلا أنها لم تلتفت فأمسكت بيدها برفق ووجدتها ترتعش بشدة........ ولأول مرة أري دموعها تنهمر بهدوء وسكون ولكنها تجف سريعاً بفعل رياح الخريف ... لم اتحدث إليها بكلمة واحدة ولكني ظللت أنظر أنا أيضاً إلي اتجاه عينيها لعلي أري معها ضالتها ... وبعد قليل ربطت علي يدي بشدة وتلفتت عائدة بي إلي المنزل وهي تشدو بلحن هادئ وناعم ودموعها مازالت تنهمر ولكن شفتيها تعلوها نفس الابتسامة البراقة ... وقالت : هيا ... فلم تعد قدماي تقوي علي الوقوف طويلاً... فادركت أنا أن كل هذا البكاء يعلن النهاية... وتذكرت ذكي نجيب محمود عندما قال "أن البجعة إذا ما دنت من ختام حياتها سمعت لها آنات منغومة تطرب آذان البشر , ولا يمنع طربها ألا أن تكون تلك الآنات صادرة علي الأرجح من ألم يكويها"

٢٦ مشاهدة٠ تعليق

Comments


bottom of page