رواية الأثير للكاتب أحمد قابيل، صدرت عن دار قلمي للنشر والتوزيع، من القطع الصغير وتقع في 197 صفحة تقريباً وقد كتب على غلاف العمل الطبعة الحادية عشر. حسناً، كيف يمكن أن نبدأ الكلام عن هذه الرواية؟، الحقيقة أن أول ما تبادر إلى ذهني فور أن أغلقت هذه الرواية أنني كمن شاهد إحدى أفلام يوسف شاهين والتي تنهيها وأنت لا تفهم ما الذي يريد قوله وعن ماذا يدور هذا الفيلم؟ كان هذا هو انطباعي أيضاً عن هذه الرواية، ما الذي يريد الكاتب قوله؟ ما الذي دفعني في النهاية لأن أسأل هذا السؤال؟، خاصة وأنني أجبرت نفسي مرات على إنهاء الرواية بعد أن فاض بي الكيل وكدت أن أتركها، هل سيفعلها الكاتب وسيقول لي ما الذي يريد قوله. انتهى الأمر ولم أفهم ماذا يريد الكاتب من هذه الرواية. دعنا بداية نتحدث عن مميزات هذه الرواية وهي اللغة، جيدة كأسلوب أدبي وسلامة لغوية، وصف مشهدي سينمائي، الكاتب لديه قدرة مميزة في أن يحول لك هذا العمل من مجرد رواية إلى مشهد سينمائي متكامل أمامك، أنت تشاهد فيلم ولا تقرأ رواية، ملم بتفاصيل المشهد دون ملل. ملحوظة شكلية: ضحكت عندما قرأت الطبعة الحادية عشر فأصبحت على دراية كافية بأساليب ترويج دور النشر الورقية واستخدامها لدعاية مزيفة من أجل الترويج لأعمالها فبالتالي لن أعول من الأساس على هذا الرقم الذي ربما يكون صحيحاً ووفق نيتي التي تشك أعتبره زائفاً. استخدم الكاتب في هذه الرواية شكلين من أشكال السرد، الأول سرد متقطع ثم السرد التناوبي، وببساطة شديدة السرد المتقطع هو مخالفة الكاتب للتسلسل الزمني للأحداث، يبدأ بالنهاية وينتهي بالبداية والسرد التناوبي هو أن تبدأ قصة وتتلوها أخرى ثم يعود للأولى ثم للثانية مرة أخرى ومن شروط هذه الشكل السردي أن تكون هناك قواسم مشتركة بين شخصيات العمل. هنا يأتي السؤال، إلى أي حد وفق الكاتب في استخدام هذين الشكلين من أشكال السرد، بكل أمانة وهذا يمثل وجهة نظري الشخصية طبعاً، فشل فشلاً ذريعاً في استخدامهما، الرواية مربكة للقاريء إلى حد كبير جداً جداً جداً! وأما القواسم المشتركة بين الشخصيات أغلبها واهي أو يمكن القول لا يوجد والروابط الأخرى المغزولة بين شخصيات أخرى تكررت في الرواية كفاروق وحسين وصبري واهية جداً أو مفتعلة. فكرة الرواية تتناول موضوع الأثير وهو الذي يرتبط بالإسقاط النجمي والخروج من الجسد المادي وعلم الشاكرات وبالنسبة لي هراء كثير على هذا المنوال، ومثّل بالنسبة لي هراء لأني لم أفهمه من الكاتب وربما ذلك يرجع لسوء طرحه لهذا الموضوع، حتى أن الموضوع بدا مرتبكاً بين يدي الكاتب إلى أقصى حد واستعان بشخصيات تاريخية على طول خط الرواية كانوا كمثل الكومبارس يظهرون لصفحة أو صفحتين ثم يقوم بإخفائهم، فتتساءل ما جدوى وجودهم فى العمل لا تفهم؟، إذا تم حذفهم هل سيؤثر في الرواية؟، إطلاقاً حاول في عجالة سريعة في نهاية الرواية أن يحشر أسمائهم فقط ولكن بدت محاولة يائسة منه، يتحدث عن الشيطان وعلى حسب ما فهمت من الطرح المرتبك أن الشيطان وراء كل ألاعيب الإسقاط النجمي ولم أفهم في النهاية هل انتصر حسين على الشيطان ومخططه غير المفهوم أم الشيطان انتصر؟ ولن تفهم لماذا ينقذ حسين كل هؤلاء ثم ما دورهم بعد إنقاذهم، لن تفهم ولماذا حسين يرى نفسه صغيراً ثم شاباً ثم وحيداً، حقيقة لم أفهم على الإطلاق. وما هو الرابط بين المراحل العمرية المختلفة لحسين والبيئة التي يتواجد فيها والتي من شدة ارتباكي، تصورت أنهم شخصيات مختلفة، حقاً لم أفهم. والدة حسين أو ليست بوالدته وذلك من شدة ارتباك الرواية لماذا هي في المشفى ويتحدث عن طفل أو صبي في حالة غيبوبة، هل هو هذا الشخص أم شخصاً آخر، ولماذا يتحول في المستشفى شبحاً؟، ثم يعود كشخص طبيعي يحيا حياة عزوبية ينقذ فيها الناس نتيجة لأنه يستقرأ المستقبل القريب، قمة في الإرتباك والتخبط. يشفع كل فصل من فصول العمل إذا كان هذا أيضاً ما يقصده بأقوال مأثورة لشخصيات تاريخية ثم أقوال أشبه بالحكم لا يسمي صاحبها فلا تعرف هل هو صاحبها أم أنه بلا صاحب أم يخجل من التصرح بأنها مقولاته وتحاول الربط بين هذه المقولات وأحداث هذا الفصل فلا ترى أي رابط وكأنه يحاول أن يبرهن على نحو ما للقاريء أنه مثقف!، حقيقة لا أسخر ولا أفهم ما هو الهدف؟ بالطبع كغيره ممن قرأت لهم حديثاً يخلط بين الأسلوب المقالي والروائي ويلقي إلينا بمحاضرات تاريخية عن أحداث تاريخية معينة أو جغرافية لا يتم توظيفها على ألسنة شخوص العمل ولكنه يتكاسل ويرويها لنا بنفسه أما ما هو نفعها في سياق العمل الروائي، لا شيء اللهم إلا إذا كان يستعرض ثقافته مرة أخرى أمامنا. إدراجه لهذه المعلومات التاريخية في بعض ثنايا العمل بدون أي مبرر حقيقي سوى أنه يريد القول أنا مثقف!، أفتري عليه ربما ولكن من الممكن أن يحرجني بأن يقول ما هي وظيفتها الدرامية والفنية في العمل؟!، وحتى لو أبدى حجة مقنعة عن وظيفتها الدرامية في العمل، كون إن العمل لم يقدم لي هذه الحجة فأيضاً سيمثل هذا عيباً فنياً آخر! فشل في تطبيق السرد التناوبي كما هو مفترض أن يكون، فشل في تطبيق السرد المتقطع كما يجب أن يكون، لا رابط بين الشخصيات والأحداث وعندما حاول جمع هذه الشخصيات في مكان واحد على طائرة على وشك التحطم، بدا وجودهم غير مبرر على الإطلاق ولا أعرف لماذا إنقاذ سلمى سيعيد كل الأمور إلى نصابها الصحيح؟، ليست هذه المشكلة الوحيدة ولكن المشكلة الأكبر التي تؤرقني بعد إنتهائي من قراءة العمل، ما هي الأمور التي يجب أن تعاد إلى نصابها الصحيح، فهي بالنسبة لي غائبة بالكلية! أين المشكلة من الأساس التي يجب أن أتفاعل معها حتى تكون مبرراً كافياً بالنسبة لي كقاريء حينما يقدم حسين على إنقاذ سلمي بذلك تنتهي المشكلة، أنا لم أعرف ما هي المشكلة ؟! ولماذا إنقاذ سلمى بالذات هو الذي سيحل المشكلة التي لا أعرفها؟ ولماذا الطائرة؟ التي شاهدها في هيئة مجسم صغير ومن قبله جده؟ ما هي دلالة هذه الطائرة. قررت أن أتوقف عن طرح الأسئلة ولكن استوقفني سؤال هام جداً لماذا شغل أبليس باله بأن يصنع كل هذه الأحداث غير المفهومة ويجعلها كلها تتمحور وتخدم على شخصية العمل الرئيسية وهو حسين؟، بمعنى آخر ما أهمية حسين الكونية حتى يترك أبليس الدنيا كلها ويصنع كل هذا الجو الخزعبلي ليتآمر على حسين؟ حتى أن الكاتب ذات نفسه لفت نظره هذا السؤال وسأله لأبليس على لسان حسين وهنا كنت في أشد لحظات حماستي وفضولي لأعرف الرد ولكن بدا أن الكاتب نفسه لا يعرف الرد! كان الأمر على منوال "المخرج عايز كده!" في النهاية، لدى الكاتب مقومات الكاتب بالفعل وأفضل ما يميزه الأسلوب السينمائي في سرد أحداث العمل وهو أمر رائع بالنسبة لي أن يكون لدى الكاتب عيون كاميرا سينمائية تستطيع تجسيد المشاهد أمامي وهو برع في ذلك ولكن يبقى أنها رواية كأحداث من أسوأ ما قرأت حقيقة، ليس هناك مقومات تمسك منها الرواية وتقول ها أنا أطرح أمامكم رواية مكتملة الأركان. ربما لديه أعمال أخرى جيدة ولكن هذه سقطة كبيرة على الرغم من الطبعة الحادية عشر كما تزعم الدار!
Comments