رواية الكاشف للكاتب مصطفى محمود عواض، لا أعرف كيف يجب أن استهل الحديث عن هذا العمل، لأني أواجه مشكلة عظيمة مع هذا العمل. لم استطع تجاوز مشكلة اللغة التي استخدمها الكاتب في كتابة هذا العمل تحديداً، كنت أتصوره عائقاً من الممكن تجاوزه ولكنه على طول خط العمل مثل لي عائقاً كبيراً جداً لا يمكن القفز فوقه والمضي قدماً في سبر أغوار العمل. لقد دار بيني وبين كاتب العمل سجال حميد من قبل حول طبيعة اللغة التي يجب استخدامها في كتابة الاعمال الأدبية واختلفنا حول هذا الأمر وإن النحو الذي اتخذه في كتابة روايته الكاشف، يرى أنه يمثل أصل اللغة العربية وما يجب أن تكون عليه اللغة العربية وأن اعتراضي على هذه اللغة ليس في محله واستغرب الكاتب أن أنظر لهذه اللغة على أنها الطاريء المستحدث وأن ما نتصوره فصحى وما نكتبه من عربية هو عربية الأعجام كما ذكر. وعلى الرغم من خلافنا وتقبلي لهذا الخلاف مع إصراري على موقفي، بعد قراءة هذا العمل تشبثت برأي أكثر من ذي قبل!، هذه اللغة المستخدمة في ذلك العمل الأدبي مثلت أمامي عائقاً كبيراً جداً في هضمها، بل وقفت اللغة كحجر عثرة في تقبلي للعمل وتفاعلي معه إلى حد صرفني عدة مرات عن قراءة العمل وتحاملت على نفسي مرات عديدة حتى أنهي هذا العمل. ليس من فرط قوة اللغة وأصالتها كما يقول كاتب العمل، ولكن من فرط الإصراف في الفذلكة اللغوية واستخدام أسلوب أدبي لازالت أنا مصراً في أنه يبعد كل البعد عن الأسلوب الأدبي الذي يميز كتابة الروايات عامة. هذا كما وصفه من قبل الصديق الكاتب تامر عطية، أسلوب يصلح لكتابة الكتب الفقهية وأضيف إليه أنه أسلوب تكتب به السير والمرويات ولا يستقيم أن يكتب به عمل أدبي روائي أبداً. شغل الكاتب نفسه في عمله بزخرفة اللغة وإن كان في أحاديث ماضية بيننا أعترض على هذا المصطلح ولكني أراه مناسباً فغلب اهتمامه باللغة اهتمامه بجوهر العمل، صرف الكاتب جل اهتمامك لزخرفة اللغة وسجع الجمل! شتان بين الأسلوب الأدبي لهذه الرواية وبين رواية أيام داعش وأذكر أنه منذ عامين تقريباً أنني احتفيت برواية أيام داعش واعتبرتها من الأدب العربي الفارق الذي يجب أن يقرأه كل منشغل بالأدب أو محب للأدب، كان أسلوباً أدبياً قوياً سلساً سهل الهضم لم تصرفني فيه اللغة عن المضمون وقد أولي الكاتب في هذا العمل عناية عظيمة لمضمون العمل فخرج بهياً رائعاً خلاباً أما هنا فأني أرى استعراضاً لغوياً في غير محله على الإطلاق، ضاعت معه الرواية وما تحويه من أحداث. فليقل صديقي كاتب رواية الكاشف ما يشاء عن فصحى الأعاجم وأن ما نكتبه ليس من الفصحى بشيء، زدني في هذا الأمر فلقد تيقنت اليوم بعد قراءتي لهذا العمل أن ما اتبعته من أسلوبٍ لغويٍ في هذا العمل نجح باقتدار في أن يردي العمل قتيلاً! وحشو العمل بالكثير من العبارات والمفردات الغريبة والموحشة وقل هي موحشة بالنسبة لي لأني أكتب بعربية الأعاجم، لازالت مفردات موحشة وغريبة ولا يسهل هضمها ولا أرى فيها أي جمال يذكر! أسف يا صديقي حقاً على تحاملي الشديد على العمل بهذه الطريقة من باب اللغة ولكن حقاً فلتقارن بين روايتك الأولى البهية أيام داعش وبين هذه الرواية والله كأني أقرأ لشخصين لا رابط بينهما، هذا أديباً نجيباً يعلو نجمه وهذا متفقه معمم يحاول أن يكتب رواية فكتبها على نهج ونسق السيرة التي تروى في أمهات الكتب. وأما وأن بعض هذه المفردات التي استوحشتها كان لابد لها أن توضع في هذا المقام ولا يمكن أن يحل مكانها مفردات أخرى أيسر، وجدت في عربية الأعاجم كما تقول عنها ما يغني عنها وييسر على القاريء الإندماج في محتوى ومضمون العمل وأن يصل القاريء لنفس المعني الذي تريد أن تصيبه. دعنا ننتهي من الحديث عن الأسلوب الأدبي الذي أردى هذا العمل قتيلاً، ما حاولت أن أنتزعه إنتزاعاً من أحداث وأفسدته اللغة جدير بالاهتمام ولكن للأسف مرة أخرى يفسد الأسلوب الأدبي الذي اتبعه الكاتب الأحداث تماماً، فالأسلوب الأدبي الذي استخدمه الكاتب والذي يصلح لكتابة سير الصالحين، لا تعني بوصف ولا برسم أدق التفاصيل للمكان والزمان والبيئة والناس ولكنها تروي على الإجمال وليس على تفصيل الأحداث. أجدني عدة مرات أتوقف عن الكتابة، أحاول أن أتحدث عن العمل نفسه فيصعب علي أن أتحدث عنه بمنأى عن اللغة التي ضربته في مقتل. بسبب ذلك القالب الذي حبس الكاتب نفسه فيه أهمل الاعتناء بالأحداث، أهمل الاعتناء بإبراز ورسم الانفعالات الشخصية لشخوص العمل لمَ يواجههم من أحداث وغرقت كقاريء في الكثير جداً من الصفحات التي تجمل لي الأحداث ولا تفيها حقها، أنا أمام "راوي سيرة" يروي لي سيرة طويلة ولكن إجمالاً. اللغة أثرت أشد التأثير على أن يلتفت الكاتب ليصف لي البيئة الداخلية للعمل، هو يتناول موضوع مثير جداً للاهتمام، لو كان أولى عنايته للمحتوى لكان خرج برواية مبهرة عظيمة تترك الأثر العظيم في نفس القاريء ولكن اعتنائه الكامل باللغة ضيع كل ذلك. يصف بعضاً من القبائل النوبية في آخر عصر المماليك وآفول نجمهم وبداية عصر العثمانيين وسطوع نجمهم، فترة تاريخية هامة جداً يضعنا فيها الكاتب ليحكي لنا طرفاً من أخبار النوبة كيف كان أمرهم في هذا الوقت تحديداً، لا أعلم هل سبقه إليها أحد؟، وفق قراءاتي أنا الشخصية لم يسبقه إليها أحد، كاد أن يصيب الكنز والله ولكنه أفلته من بين يديه بجرم اللغة المتفذلكة! والله كانت من الممكن أن تكون رواية ليست فقط مبهرة أو علامة فارقة ولكنها ستكون عروس الروايات العربية إن كان الكاتب أولى للمضمون عناية واهتمام. كنت أتصور أنه سيصف لنا شكل قراهم بالتفصيل، ملبسهم، مأكلهم، مشربهم، عاداتهم في الأفراح والأحزان، طرفاً من لغتهم. ظهرت فيه روح الأديب المعني بالتفاصيل في أجزاء متفرقة من الرواية وقد هربت هذه الروح الأدبية الجميلة من قضبان لغته لتضفي هذه الروح البهية في بعض الصفحات وهو ما كانت تصبو إليه نفسي ولكنه سرعان ما يكتشف إفلات هذه الروح الجميلة ليحبسها مرة أخرى وراء قضبان اللغة، والله عدة مرات قلت اللعنة كدت أن أرى مصطفى محمود عواض بين السطور ولكنه سرعان ما يفلت مني مستتراً وراء شخص معمم يكتب رواية! أحداث جسام وهامة وشيقة يجملها في الروي على نسق كتّاب السير قديماً، فأسب وألعن وأحداث أخرى يظهر فيها روح الأديب فيوليها عناية لولا أن اللغة تحاصرها كثيراً. الرواية بها عشرات الشخصيات ليس أحدهم بطلاً أساسياً للعمل، كلهم أبطال لهذا العمل والحق أن هذا سبب لي إرباكاً، خاصة أن القصة تتولد منها عدة قصص أخرى لتتولد من هذه القصص عدة قصص أخرى تصحبها شخصيات جديدة تظهر وتختفي مما سبب لي إرباكاً عظيماً. وكان من الممكن أن يمسك بخيوط كل هذه الشخصيات وكل هذه الحكايات بمهارة شديدة أعلم تمام العلم أنه يملكها وسبق أن فعلها في رواية أيام داعش ولكنها هربت منه بالكلية في هذه الرواية بسبب تلك اللغة اللعينة! لا أريد المضي قدماً في الحديث عن هذا العمل، لأني أرى في هذا العمل تحديداً كنزاً عظيماً غفل عنه الكاتب نتيجه لإنشغاله المبالغ فيه باللغة. كنز لو جلس لينفض عنه الكثير من غبار اللغة لخرج لنا برواية عظيمة لا أبالغ أن قلت أنها ستكون من الأعمال الخالدة التي ستبقى لزمنٍ طويلٍ جداً في نفوس من سيقرأوها. أرجو أخيراً ألا يغضبه ما كتبته وألا يؤثر ذلك في طيب العلاقة بيننا ولكن حقاً يا صديقي أشعر بغضب هائل لأنني أمام رواية رائعة حقاً ضيعتها اللغة تماماً. أنت والحق لا أقول ذلك لأعوضك عن ما سبق مما كتبت، لا والله ولكني أقول الحق، أنت كاتب عظيم ذو موهبة فريدة، ضاعت تلك الموهبة في هذا العمل تحديداً بسبب قضية لا طائل من ورائها وهي انتصارك للغة لا تصلح لأن تكتب بها الروايات أو القصص ولكنها تصلح للكتب الفقهية والخطب وكتب السير القديمة فقط. ملحوظة أخيرة: أبلغ سلامي لمصمم هذا الغلاف فلقد أبدع فيه ويوافق روح العمل تماماً.
Comments