أرجو من جميع المهتمين بالثقافة والكتابة والقراءة أن يقرأوا هذه النقاط جيداً من البحث التالي بعنوان "بحث عن المستوى الثقافي لخريجي الجامعات" جاء فيه ما يلي: 1- الأطباء: عجز في الاختبار الشفوي عن التعبير عما في أذهانهم كما أن ذخيرتهم من الألفاظ والعبارات ضعيفة. 2- الكيميائيون: عدم العناية بربط المعلومات، وعدم التدريب الكامل، عدم الاعتماد على النفس في البحث والإطلاع، جمود معلوماتهم. 3- المهندسون: المستوى الثقافي العام ضعيف جداً مما يشعر الممتحن أن الطالب لا يعني بقراءة أية كتب ثقافية أو جرائد. عدم العناية بتجديد المعلومات بعد التخرج. عدم محاولة الاستفادة من الدراسة من النواحي التطبيقية والعملية. 4- التجاريون: جهل شديد بالمعلومات العامة. نتائج سيئة جداً في المعلومات التطبيقية والمكتبية. 5- المشرفون الاجتماعيون: اهتمام بالبحث عن المشاكل، وضعف في اقتراح الحلول. معلومات ضعيفة عن الريف المصري ومشاكله، ودراسات نظرية لم تدعمها الخبرة والمشاهدة العملية. 6- الزراعيون: جهل جغرافية البلاد البسيطة (موقع قناة السويس) وضعف المعلومات العامة. 7- مدرسو لغة عربية: ضعف في المعلومات العامة والقراءات، أخطاء نحوية لا تليق. 8- مدرسو فلسفة: فلسفة في صورتها المدرسية البحتة. يلزم تعديل المناهج بما يعين على تحليل المادة ونقدها نقداً ذاتياً. عدم الربط بين المدروس والحياة العملية وتطبيق الفلسفة على التربية. 9- حملة التوجيهية والتجارة المتوسطة: ضيق الأفق من نواحي الثقافة العامة. أسلوب ركيك. ضعف شديد في المعلومات العامة. 10- حملة الزراعة الثانوية: استعراض لمعلومات نظرية فقط دون أي تطبيق عملي. جهل بالقوانين الزراعية في عهد الثورة. معلومات مشتتة دون العناية بالتفاصيل. أرجو أن يحتمل معي؛ من يقرأ هذا المنشور ويواصل قراءة الفقرة التالية لأنها لناقد أدبي مصري مهم جداً يتحدث فيها عن حال الأدب في العالم العربي: "إن بحث أسباب هذه الحيرة من أهم المسائل التي ينبغي لمؤتمر أدباء العرب أن يعني بها في اجتماعه القادم...فلينظر أول الأمر في مدى اشتراكنا في الوقت الحاضر في الإنتاج العالمي. إن موقفنا هو موقف من يأخذ ولا يعطي...وكم كنت أود أن يتسع لي الوقت لأعني بتحضير بحث تراودني فكرته منذ زمن غير قليل، وهو اعتقادي بأن لا وسيلة لبعث الفلسفة العربية من جديد، وبالتالي بعث حركة جديدة في الأسلوب والفنون، إلا إذا عدل أدباء العرب من الأسلوب المسترسل العائم والألفاظ التي تداخلت بعضها في بعض وفقدت معانيها من سوء الاستعمال، إلى أسلوب علمي محدد اللفظ تحديداً دقيقاً. ليست المشكلة في نظري راجعة إلى الصدام بين الفصح والعامية، بل هي مثل كل شيء مشكلة القوالب الفاسدة، أياً كانت اللغة التي نكتب بها والتي تصب فيها الأفكار...وكلما قابلت رجلاً يحاول أن يترجم لكاتب عربي معاصر إلا واشتكى من ميوعة اللفظ وغموضه، وإن الفكرة تائهة وراء حشد من الألفاظ لا تؤدي غرضاً معيناً مقصوداً. وأخشى أن يكون الاعتياد على هذا الأسلوب الغامض المائع قد أثر في مقدرتنا الذهنية على الوضوح والتألق... أن الأسلوب العلمي في الأدب كفيل وحده بخنق كل فكرة تافهة في مهدها..." كثيراً مما قرأ ما سبق سيهز رأسه أسفاً على الوضع المزري الذي وصلت إليه الثقافة العامة لدى خريجي الجامعات وعلى إنحدار المستوى الأدبي عامة في العالم العربي، وستتأسف عزيزي القاريء على ماضينا الجميل حينما كان الأدب أدباً وخريجي الجامعات غير خريجي جامعات هذه الأيام. ساستمتع جداً بالقادم من السطور لأنني سأفجر في وجهك قنبلة في ظني أنك لن تتوقعها أبداً. البحث المعنون بـ" بحث عن المستوى الثقافي لخريجي الجامعات" صدر في 20 أغسطس 1957، حيث رفع السيد العطافي سنبل رئيس ديوان الموظفين تقرير الديوان عن السنة المالية 1957/1958 إلى وزير المالية والاقتصاد! والفقرة الخاصة بوصف تردي حالة الأدب في عالمنا العربي وردت في مجلة "الرسالة الجديدة" لعدد ستمبر عام 1957 من مقال للأستاذ يحي حقي. شعرت مثلك بصدمة مماثلة، ما قرأته سابقاً من سطور ينطبق تماماً وحرفياً على وضعنا الحالي، تكاد تنطبق كل كلمة مما سبقت على وضعنا الحالي تماماً، تصفه بمنتهى الدقة. دعني قبل الولوج إلى المغزى والحكمة والموعظة الحسنة من كل ما سبق أن أضع بين يديك ما يلي للدكتور علي الراعي وقد كتب في جريدة المساء بتاريخ 18/9/1957 ما يلي: " لقد تعاون هؤلاء (يقصد الجيل الأول: طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ويحيي حقي والجيل الثاني: نجيب محفوظ وعزيز فهمي ولويس عوض والجيل الثالث: الخميسي والشرقاوي ونعمان عاشور ورشدي صالح)، فيما بينهم، على زعزعة أركان العالم القديم والتشكيك فيه من كل السبل فساهموا بهذا في التحضير للحركات الثورية المختلفة التي وجدت التعبير المتكامل عنها في ثورة 1952، غير أن جهودهم جميعاً وقفت عند هذا الحد. وحتى الكتاب الذين اصطلحنا على اعتبارهم ممثلين لأدب أكثر ثورية من أدب طه حسين - نجيب محفوظ، وأعني بهم أدباء الصف الثالث (يقصد بهم الخميسي والشرقاوي ونعمان عاشور ورشدي صالح) أو الجدد (اقرأ ماذا قال عنهم؟!)، حتى هؤلاء يقفون في أعمالهم الفنية على عتبة العالم الوليد ولا يدخلونه. أنهم بطبيعة وضعهم وتفكيرهم لا يستطيعون أن يتخطوا الشقة الحرام بين العالمين، لا إلى أمام ولا إلى وراء" نكتفي بهذا القدر ولمن أراد أن يرجع لهذه المعلومات وأكثر منها فعليه بقراءة كتاب الشارع المصري والفكر للدكتور أنور عبد الملك. ما الذي يعنيه كل هذا؟ يعني: أنه يعتريني شعور عارم بالصدمة كما أعترى العديد منكم بعد قراءة كل هذه السطور السابقة، إذن ما نحن فيه ليس إنحداراً أكثر في الأدب، أو إن ما نحن فيه يمثل قاع الحضيض الذي وصلنا إليه متمثلاً في ضعف القراءة والثقافة العامة لدى خريجي الجامعات وغيرها من المثالب الموجودة في عصرنا الحالي، اتضح أنها لا تمثل الذروة أو قمة الانحطاط الثقافي. الحقيقة أننا لم نرتقي في الانحطاط ولكننا وللمصيبة الكبرى؛ في هذا الانحطاط المزرى على نفس هذه الوتيرة والوضاعة والسطحية منذ العام 1957 إلى يومنا هذا في العام 2018. أي أننا في تردي ثقافي وأدبي عام منذ 61 سنة! الحقيقة أننا لم ننحدر أدبياً وثقافياً ولكننا في هذا الإنحدار المزري المرعب المفزع منذ ستة عقود مضت! فلتنكر كما تشاء، أمامك تقرير من رئيس ديوان الموظفين مفزع ومرعب بكل المقاييس والذي رفعه إلى وزير المالية والاقتصاد في العام 1957، وستجد هذا التقرير ينطبق على وضعنا الحالي تماماً لا يزيد حرفاً ولا ينقصه حرف! وستجد وصف الأستاذ يحيي حقي للوضع الأدبي والأدباء في العالم العربي يطابق حرفاً بحرف ما نحن فيه من تردي الآن. وأيضاً رأي الدكتور علي الراعي في ثلاثة أجيال من الكتّاب عاصرهم، كأنه يصف الاجيال كلها التي تلت هذه الأجيال الثلاثة الأولى. نحن يا سادة في هذا الحضيض كما هو نحافظ على نفس مستوى الحضيض منذ ستة عقود بالتمام والكمال. نحن حتى لم نرتقي في درجة الانحطاط ولكننا حافظنا عليه كما هو بدون زيادة أو نقصان. لم نتحرك خطوة واحدة إضافية للوراء أو حتى للأمام. كما تقول صفاء أبو السعود "هنا ومحلك سر"! الجملة الآسفة الزائفة والتي تترحم على الزمن الجميل، تبين أنه لم يكن بالزمن الجميل ولكن نفس الزمن السيء الرديء المفزع الذي نحياه اليوم. جل ما في الأمر أن هذا الزمن الرديء الممتد من 1957 إلى يومنا هذا تضخم أكثر بفضل التكنولوجيا وظهور النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر الورقية التي تفتح أبوابها كل يوم لتستقبل نفس هذه العينة المنحظة من الكتّاب منذ العام 1957 إلى يومنا هذا، في الستة العقود الماضية لم يكن الباب مفتوحاً أمام كل المنحطين في عالم الأدب ولكن لعدد محدود أما اليوم فجميع الفرص تساوت أمام المنحطين في عالم الأدب لينهالوا علينا برجل لا تؤخر ولا تتقدم. لم يكن هناك زمناً جميلاً والآن أصبحنا في زمن المسخ، نحن في زمن المسخ منذ ستة عقود. لم تكن أجيال الخمسينات والستينات أجيال مثقفة والآن هي تضرب بالثقافة عرض الحائط، هذه الجريمة في غياب المعلومات العامة والثقافة تلاحق الملايين من خريجي الجامعات منذ ستة عقود مضت. السؤال هنا: إلى متى سيتسمر هذا الحضيض الذي بدأناه منذ العام 1957، هل سيتسمر لعدة عقود أخرى؟، أم هناك فرصة لوقف هذا النزيف الدامي منذ ستة عقود عما قريب؟!
Comments