رواية نصف ظل للكاتب أحمد محمد زويل، هذه من المرات التي عندما أنتهي من قراءة عمل ما، لا أجد كلمات أفتتح بها المنشور الذي أنوي أن أضع فيه رأي بخصوص العمل، هذا العمل وضعني في هذه الحالة من العجز عن استهلال هذا المنشور. فترة صمت تداهمني أحاول فيها أن أوجد الكلمات التي تساعدني على البدء ولذلك أكتب هذه المقدمة حتى تجري الكلمات فأنطلق في تفنيد هذا العمل، هذا الكاتب كما هو مذكور في الغلاف الخلفي للعمل من مواليد أواخر التسعينات تقريباً وتبين لي أن لهذا الكاتب روايات وكتب أخرى قام بنشرها سابقاً أو لاحقاً على هذه الرواية! لا أعلم هل هذه الرواية هي أولى أعماله؟، ربما وإن كانت لاحقة على أعمال سابقة، فأنا أمام كارثة حقيقية، بداية إذا تناولت الحديث عن الأسلوب الأدبي فيمكن تصنيفه في مكانة بين الأسلوب البسيط والسهل وبين الوسيط والمعتدل، في حين أن موضوع الرواية كان يستلزم منه الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي لأنه يناسب الكتابات الدرامية فقدرته على إطلاق طاقات التعبير أقوى وأفضل من أسلوبي السهل أو الوسيط ولكنه جنح في أسلوبه الأدبي إلى مكانة بين البينين (البسيط والوسيط) فجاء الأسلوب الأدبي أقل من مستوى الحدث أو المضمون المطروح في العمل. أيضاً كغيره ممن قرأت لهم، يجنح لاستخدام مفردات عامية في سياق السرد بالفصحى، الخلط في الحوار بين الفصحى والعامية وهذا ما أنفر منه صراحة، أما يكون الحوار بالفصحى أو العامية، أما أن يكون خليطاً بين الاثنين، فهو شيء منفر بالنسبة لي. من خلال رسم الشخصيات وسياق الأحداث وبعض المبالغات الدرامية في العمل يتبين لي أن الكتابة تنتمي لمرحلة ما قبل النضج الأدبي، فالمعالجة الدرامية في هذا العمل تنبيء بأن كاتبها مبتديء ولم يصل لمرحلة النضوج الأدبي بعد. فعلى سبيل المثال بطل العمل لاعب الكرة سابقاً في منتخب مصر للناشئين يسقط فجأة في مباراة لكرة القدم ويصاب بهلاوس عن بومة بيضاء تدور من حوله وبعض الأشباح تحيل ملامح وجهه لأن تشيخ مبكراً ويشيب شعر رأسه كله ويتحول إلى كتلة ثلج بيضاء والتي يفسرها الكاتب فيما بعد بمرض الشيخوخة المبكرة وهو مرض وراثي، وحقيقة لا أعلم كثيراً عن الأمراض الطبية ولكن ما أعرفه يقيناً أن مرض الشيخوخة المبكرة لا يصيب الإنسان فجأة ولكن هذا ما حدث مع البطل. تجاوزت هذه المبالغة الدرامية وقلت قد يبررها ما يليها من أحداث، فبراعة الكاتب تكمن في تبرير وإقناع القاريء باللامنطقي وتجعله موضوعي وكم من أعمال يضع فيها الكاتب تحولات درامية غير منطقية تجافي الواقع ولكنه يستطيع أن يسرب لك الإقناع بها من خلال سياق الأحداث وهذا ما لم يحدث في هذا العمل إطلاقاً. فجأة تصاحب هذه الهلاوس المزعجة للبطل بومة تنعق طوال العمل، تلك البومة البيضاء التي تطير من حوله وتحدثه حول أمور تدل على خلل نفسي لدى البطل، هل كانت هناك مقدمات منطقية لهذا الخلل النفسي المفاجيء الذي أصاب البطل؟، أنا عن نفسي لم أجد أي مقدمات منطقية لهذا الخلل النفسي المفاجيء للبطل، حتى أن حادثة سقوطه في الاستاد وما صاحبه من هلاوس ملازمة له فيما بعد، جاءت فجأة وبدون مقدمات وحاول الكاتب أن يصنع لنا فلاش باك بأن والده على حسب ما أتذكر أما أنه ترك البيت فجأة وهو ابن السابعة أو مات وهو في هذا العمر وقد اقتنى والده تمثال لبومة خشبية، تفسر لك لماذا تظهر هذه البومة للبطل؟، فحسبت أن البطل فيما بعد سيقدم لنا مقاطع فلاش باك عن بطل العمل أنه أصابته في صغره الكثير من حالات الهلوسة نتيجة لرحيل أبيه المفاجيء وأن أمه عانت معه ذلك ولكن لا يفعل كاتب العمل ذلك، هو يضعك مرة واحدة في أولى صفحات الرواية أمام سقوط ميلودرامي غير مبرر لبطل العمل وأصابته بهذه الهلاوس التي نتج عنها الشيب الذي طال شعره كله والشيخوخة المبكرة التي أصابت ملامحه! في النصف الثاني من العمل أو بعده بعدة صفحات يضعنا الكاتب مع واقعة فانتازية جديدة أو هلوسة جديدة تصيب البطل وهو أنه يفقد نصف ظله ولم يدلل عليها من قبل ولكنه فجأة يضعك أمام هذه المعضلة الجديدة وأنه عليه أن يقتل حتى يجد نصف ظله الآخر، وفي ظل أنه يرسم لك شخصية البطل والتي تعاني من الهلاوس ستتقبل الأمر، ولكن ما لا تتقبله هو ظهور هذه الهلوسة الجديدة بشكل مفاجيء بعد مضيك في قراءة نصف الرواية أو أكثر. حبيبته تتركه بعد الذي أصابه من هلاوس نتج عنها تغير في سلوكياته التي تحولت للعنف والغضب السريع وحتى يفرق كاتب العمل بين البطل وحبيبته يجعلها تسافر أيضاً إلى لندن ليمضي على رحليها خمس سنوات وهو في حالته المزرية هذه ، ولماذا تتطور حالته إلى هذه الدرجة المزرية؟، لا تفهم ولكني أيضاً حاولت التجاوز عن ذلك. حبيبة البطل تلتقي هناك في لندن بويليم كاتب للقصص البوليسية وتُبنى بينهما صداقة جميلة ويعجز فيها ويليم الإنجليزي عن التعبير عن مشاعره التي يكنها لها، وهي كما رسمها كاتب العمل تعامله من باب الصداقة فقط، هذا حتى اللحظة التي تكتشف فيها على حين غرة أنها تحبه أيضاً! هكذا أيضاً فجأة وجرياً على مبدأ "المخرج عايز كده"، هل حاول الكاتب أن يمهد لنا إعلانها المفاجيء عن حبها من خلال رسمه لصراعات داخلية نفسية تدور رحاها بين عقلها وقلبها؟، تتأرجح بين الحب والصداقة فيوهمنا أن مشاعرها انتصرت للصداقة وتغلبت في هذه اللحظات من الصراعات النفسية على الحب، فبالتالي تبدو المفاجأة بإعلانها عن حب هذا الإنجليزي مقبولة، لم يحدث، الكاتب يريد أن يفاجئك كقاريء بأنها تحب ويليم، فتعبر عن دهشتك والشعور بالمفاجأة ولكني شعرت بالضجر لأنه لم يسبقها مقدمات، لم يرسم لنا كما أسلفت صورة للصراع النفسي الذي يعتريها ويتركها متأرجحة بين خيارين فلا يشفي فيهما غليل القاريء إلا بتفجيره للمفاجأة النهائية فتكون منطقية ومفاجأة بحق. يدخل على خط ويليم، يوسف المصري الذي في أسبوع واحد يحب دينا ويتعلق بها بشدة!، أمر آخر غير مبرر ولكني حاولت ابتلاعها، وبقيَ الكاتب أمام معضلة فدينا تحب ويليم ويليم يحب دينا ويوسف يحب دينا وويليم غير مسلم وهي مسلمة، كيف يحل هذا الصراع المرير؟، هل يتحول ويليم إلى الإسلام ويتزوج دينا ومن ثم يخرج يوسف خالي الوفاض؟، من رسمه للأحداث أدركت أنه لا يرضى بفكرة أن يخرج يوسف خالي الوفاض، فماذا يفعل في ويليم حتى تكرهه دينا؟، ويليم يكتب قصص بوليسية تدور حول جرائم، وبالتالي نعم ما استنتجته صحيحاً، ويليم قاتل ويقتل العديد من الضحايا بدون مبرر وأيضاً فجأة!، ويكتشفه يوسف بمحض الصدفة!، نعم يمكنك أن تسب الآن لهذه الدراما الهندي، أتفق معك في ذلك، أنا أيضاً شعرت ببالغ الحنق من هذه "الأفورة الدراميا" التي لا تقنع عقل طفل صغير، لا أعلم، هل الكاتب وقع تحت تأثير الدراما التركي المبتذلة؟، ربما. ينبه يوسف دينا إلى هذه الحقيقة المفزعة التي يجب أن تصدم لها، فما الذي تفعله دينا؟، نعم، أصبت في تخمينك مرة أخرى، ترفض تصديق يوسف، بالضبط كما شاهدت الكثير من الأفلام على نفس هذا المنوال، ما الذي سيحدث بعد ذلك؟، أحسنت أصبت في تخمينك للمرة الثالثة، دينا تذهب إلى بيت ويليم الذي يصارحها بحبه وهي تصارحه بحبها ولكنها تخبره أن هذا الحب مستحيل، لا تفكر كثيراً ولا ترهق عقلك في الأحداث التالية، فلست بحاجة لكثير من الذكاء لتستنتج، سيحاول ويليم قتلها، بالضبط، خمن الحدث الأخير حتى تكتمل لك دراما مبتذلة بامتياز. يوسف يتدخل في هذه اللحظة وينقذ دينا، نعم لك مطلق الحرية أن تسب وتلعن الآن بكل إريحية! حتى أن الكاتب نفسه وياللعجب يسخر من هذا المشهد وهو يقول على لسان يوسف فيما معناه: نعم كأنه مشهد من فيلم أمريكي، وأضيف أنا لقول يوسف "ومبتذل". ما الذي يحدث لأحمد؟، أيضاً ما خمنته صحيحاً، سيجد حباً آخر، سيعتني به رغم ظروف جنانه البادية للعيان وستصبر معه هذه الملخصة حتى النهاية وحتى يتخلص بالكامل من كل هلاوسه عن طريق أن يطعن نفسه فيتخلص من البومة الناعقة ويجد نصف ظله المفقود وأيضاً تتخلل الشعيرات السوداء رأسه بعد أن شاب شعر رأسه وتختفي التجاعيد تدريجياً من وجهه، فاضطربت نفسي أو ارتبكت، ألم يقل أنه مرض وراثي واسمه الشيخوخة المبكرة، دعني أقول أنه كان يقول ذلك أمام الناس ليبرر لهم لماذا خطى الشيب رأسه وشاخت ملامحه، مهلاً إذن هي ليست حالة نفسية، لأن الناس شاهدوا ملامح الشيخوخة المبكرة على وجهه. أي خبل هذا؟ لا بأس في ظل فوضى الدراما وعدم الإقناع اللازم للقاريء وعدم منطقية الأحداث وعدم بذل الكاتب أي محاولة منه لإقناعي بأي من هذا، قررت أن ابتلع كل هذا وأقول في النهاية، رجاء شخصي لكاتب هذا العمل أقرأ قليلاً قبل أن تكتب، وأقرأ لمن لهم وزن أدبي حقيقي، مؤكد أنك لو قرأت خمسين كتاباً لهم قيمة حقيقية ومن ثم تناولت روايتك هذه بالقراءة ستندم أشد الندم على نشرها.
Comments