هنالك فارق ضخم بين التذوق الشخصي للعمل الأدبي والذي يخضع بالضرورة لأهواء الشخص المتذوق للعمل وميوله وبين النقد الأدبي للعمل، كثير من الكتّاب ولا أقول القراء، فللقراء حق الخلط بين النقد والانطباع الشخصي أو التذوق الشخصي، فهو ليس ملزماً بأن يدرك هذا الفارق، ولكن كون أن الكاتب لا يدرك هذا الفارق أو ذلك البون الشاسع بين النقد الأدبي وبين الانطباع الشخصي، هذه مصيبة كبرى، تدل على عدم وعيه بما يكتب.
فلنعطي أمثلة على ذلك حتى تكون الأمور جلية وواضحة، أن يتم محاكمة نص أدبي على ما ورد به من معلومات تاريخية قد تراءى للكاتب أن يتلاعب بها أو يزيفها أو فلنقل أن الكاتب لم يتحرى الدقة في معلوماته التاريخية، هل هذا يدخل في صلب النقد الأدبي وعلى أساسه يحكم بجودة النص من عدمه، من يخلط هذا بذاك فهو لديه خلل واضح بمسألة الإدراك والوعي بالكتابة الفنية.
من يحاكم النص قيمياً أو أخلاقياً أو دينياً، هل هذا يدخل في صلب التقييم النقدي للعمل؟، هذه مصيبة كبرى، لا يحاكم النص الأدبي أخلاقياً أو دينياً أو قيمياً، إطلاقاً، لا يحكم على جودة نص من عدمه بمدى قربه من القيم الإخلاقية أو بعده عنها.
كقاريء يحق لك محاكمة النص الأدبي الماثل أمامك بالطريقة التي تروق لك، فليس هناك من يجبرك على تبني خط معين لقبول عمل من عدمه، لست ملزماً بالتقيد بهذه الحدود أو المعايير ولك كقاريء كل العذر، أما كاتب يتورط في هذه الجريمة الأدبية ونعم اسميها جريمة أدبية!
هذا يدل على أن هذا الكاتب فاقد تماماً لبوصلة الكتابة، لا يعي كينونة فعل الكتابة وممارسته، لا يحيط علماً بقواعد الكتابة ومعاييرها.
إذا أردت أن تحاكم نصاً أدبياً وفق معايير النقد الأدبي فعليك أن تتخلى عن عدة أشياء، أولها محاكمة الكاتب وفق أهوائك وميولك الشخصية، هذا أمر بديهي تماماً، ألا تحاكم الكاتب أخلاقياً على النص الذي يكتبه، هذا أيضاً أمر بديهي تماماً.
أنت تخضع النص الأدبي الماثل أمامك لمشرط النقد الأدبي والذي يلتزم بعدة معايير وقواعد حاكمة للنص الأدبي، منها على سبيل المثال لا الحصر، الأسلوب السردي المستخدم من حيث أنواع السرد- هل كان سرداً تناوبياً أم متسلسل أم متقطع وزوايا السرد - الأسلوب الأدبي المستخدم، هل هو مناسب للموضوع المطروح؟، أعلى منه... أقل منه، الحبكة - الخيال - الوصف - الشخصيات - الحوار - الفكرة - العقدة... هل كان موفقاً في استخدام أنواع الرواة وأي نوع من الرواة استخدمه وهل استخدم عدة رواة وهل أفاد ذلك النص أم أضر به؟، هل كان الأفضل أن يستخدم نوع واحد من الرواة فقط وهذا يرتبط ارتباطاً جذرياً بالموضوع المطروح، يحتمل أكثر من رواي أم يلزمه نوع رواي واحد فقط.
افتضاح صوت الكاتب في النص - الحشو الزائد- التوظيف الأدبي للأحداث والشخصيات، هل كان موفق؟
من هذا المنطلق يحاسب أي نص أدبي وهناك معايير أخرى كثيرة لتقييم أي نص أدبي سواء كان روائياً أو قصصياً وما ذكرته كان على سبيل المثال وليس الحصر كما أسلفت.
يترك الناقد أهواءه الشخصية وميوله جانباً، معتقداته ونسق القيم الأخلاقي الذي يتبناه جانباً. ومن ثم يشرع في تشريح النص، وعلى الكاتب أن يكون واعياً ملماً بكل هذا وإلا كيف يجلس ليكتب إن لم يكن واعياً بكل ما ذكرت، هذا أمر لا أفهمه حقيقة ولذلك أجد في تعليقات البعض خلط فظيع مفزع بين انطباعاته الشخصية وبين معايير النقد الأدبي ويعتبرهم جميعاً أمراً واحداً، وإذا طلبت منه تحديد وجهته في الحديث، هل تحدثني عن انطباعاتك الشخصية أم معايير تحكم النص؟، تثور ثائرته ويغضب وكأني وجهت له إهانة شخصية، قد أحاكم نصاً أدبياً وفق معايير النقد الأدبي فأجده قد حققها جميعاً كأفضل ما يكون ولكن يبقى انطباعي الشخصي عن العمل أنه لا يروقني أنا شخصياً.
يجب ككتّاب أن نكون على وعي كلي بهذه الأمور وأن نفرق بين أهوائنا وبين النقد الأدبي ومن العيب، كل العيب، أن يقع كاتب ما في هذه الورطة ويخلط كل هذه ببعضه.
مقال موفق
النقد الأدبي له دور حيوي وهام جداً وتراجعه بالفعل يؤدي إلى تراجع جودة النصوص الأدبية، ولكن النقد الأدبي الموجود حالياً على الساحة هو مجموعة من الطلاسم والمصطلحات المعربة بطريقة مشوهة و الأسلوب النقدي نفسه يبدو غير مفهوماً مبهماً، وبالتالي هناك إنفصال تام بين الحركة النقدية والحركة الأدبية نتيجة للتغريب غير المفهوم الذي قام به النقاد الأدبيين حالياً من إصباغ دراساتهم النقدية بطلاسمهم السخيفة المبتذلة التي لا يفهم منها شيئاً.
يجب أن نحترم التخصص حتى نرتقى ولذا فأنا مقتنع بأن إذا تراجعت الحركة النقدية تراجع الأدب والشعر وقد إستفدت كيراً من النقد ولا أغضب أبداً فلو عاد النقاد العظماء عادت الحركة الأدبية بقوة
الاستاذة قمر شكراً جداً على مشاركتك القيمة وفعلاً بعض الكتّاب اصحاب الباع الطويل في عالم الأدب لا يحسنون التفريق بين آرائهم وانطباعاتهم وذائقتهم الشخصية حول نصوص أدبية بعينها ومعايير النقد الأدبي ويقوم الكاتب منهم بخلط الأمرين ببعض وحسبه أنه أمراً واحداً رأيه يساوي النقد الأدبي، وهذا خلل في الرؤية بلاشك.
الطامة الكبرى أن يقع بعض الكتاب الكبار والذين لهم بصمة في عالم الأدب في هذا الخطأ وتجد من يأخذ بآرائهم ويصفق لهم.