العمل الأدبي الجيد لا يستمد جودته من الفكرة المطروحة، ولو كانت الفكرة هي معيار الحكم على جودة العمل من عدمه فأن فيلم "كركر" لمحمد سعد يحمل قيمة فكرية حرياً بنا أن نحتفي بها ونثني على صنيع منتج الفيلم وبطله لأنه قدم فكرة ممتازة عن خيانة الأقارب للمستضعفين منهم واستغلالهم بطريقة سيئة للغاية!
ليس هكذا تقيم الأعمال الفنية، فليتمحور عملك الفني حول أي فكرة، ليست هي الأساس الذي يدور في فلكه العمل الفني ولكن مقومات العمل الفني هو الثابت والآخر يدور حوله.
من يقيس جودة العمل من عدمه بناء على فكرة العمل فقد أخطأت التقييم الفني وضع ألف خط تحت "التقييم الفني للعمل".
إذا انصرف أحد من الناس لتقييم روايتي "التربة الحمراء" على سبيل المثال بناء على فكرتها فأنا لم أأتي بجديد!
هذه حقيقة، كم من كتّاب قد يكونوا بالآلاف تناولوا نفس الفكرة: جرائم قتل - شرطة تحقق - ألغاز - مشتبه بهم- قاتل مسلسل.
ليست القيمة يا أخواني الكتّاب في الفكرة، جميع الأفكار في العالم كله طرحت من قبل وتم تداولها آلاف المرات سواء شعراً أو نثراً.
ولكن فتش في أوراق الكاتب عن كيفية تناوله للفكرة: من أي زاوية عرض لنا الفكرة؟، هل هي زاوية جديدة؟، هل كان طرحه مغايراً عمن سبقه في تناول هذه الفكرة؟
كيف رسم الشخصيات؟، وهل كانت ردود أفعالهم مناسبة للأحداث؟، هل فيها مراهقة طفولية...متزنة ... موضوعية؟
كيف أثّرَ حضور أو غياب عنصري الزمان والمكان في العمل؟، هل العمل يحتاج إلى هذين العنصرين من الأساس؟، وإن لم يحتاج العمل لهذين العنصرين فهل لازال ناجحاً؟
هل كانت هناك حبكة وعقدة؟، غاب عن العمل عنصري الحبكة والعقدة؟، هل أثّرَ ذلك في العمل؟، العمل لا يقوم على عنصري الحبكة والعقدة ورغماً عن ذلك بدا ناجحاً جداً.
وغيرها الكثير من المقومات الفنية التي يقوم عليها العمل، أنا لا أتكلم في باب من سيتناولون العمل بالنقد الأدبي فقط ولكن في باب من سيمارسون الكتابة أيضاً.
هجومي منذ يومين تقريباً على الكتابة النسوية التي تتناول قضايا ظلم المرأة في مجتمعاتنا العربية، هل بسبب أنها تتناول هذا الموضوع؟، هل لأني لا أرى في هذا الموضوع وجاهة أو منطق؟، ليس هذا محور النقاش أو النظر حتى، على الرغم من أنه أصبح موضوع مستهلك جداً وكتبت فيه آلاف الأعمال المستنسخة من بعضها البعض وكل نسخة رديئة عما سبقتها.
ولماذا كل النسخ رديئة؟، ألم تقل منذ لحظات، لا تهم الفكرة وإن كتب فيها آلاف الكتّاب، إجابتي: هي نسخ رديئة لأنها أولت الفكرة العناية الكاملة وأهملت كل الجوانب الفنية التي ستقوم عليها الفكرة، معظم النساء اللواتي انبرين للكتابة في هذا الباب دخلت محمّلة بهم هذه الفكرة وحدها دون الاعتبار لما سواها فخرجت كتاباتهم طفولية ونسخ رديئة من بعضهن البعض.
وأصبح من تكتب في هذا الموضوع كأنها تعطى شهادة رسمية بأنها تنتمي إلى الكتابة النسوية ولا يمكن أن تمر من هذا الباب إلا بالخوض في هذه القضية حتى تعطى تلك الشهادة الرسمية والحقيقة أن مصطلح "كتابة نسوية"، أحد أسخف المصطلحات التي قرأت عنها في عالم الأدب، ولعمري لم أهضم هذا التصنيف وأراه تصنيفاً لا يتعلق بالأدب ولكنه من باب مجاملة المرأة، ومجاملة في غير موضعها.
الأدب أدب، لا فيه نسوية ولا رجولية ولا أدب مسيحي ولا أدب إسلامي ....ولا أدب عبدة البقر!
هذا تخريف، الأدب هو أدب فقط ولا شيء آخر، أن تكتب أدباً فلا أرى أفضل من تعريفها بجملة: أنك تكتب أدباً!
عندما اقرأ عملاً لا أقول: ها فلنرى الكتابة النسوية، أنا اقرأ الكتاب وفقط بصرف النظر عن جنس كاتب العمل، بصرف النظر عمن هو في الأساس!
أنا أنبش عن معطيات أخرى تماماً مثل: كيف برع في الوصف والتخيل؟
كيف جعلني أغرق بكياني كله في عمله حتى أصابني الغم حينما انتهيت من عمله؟
كيف جعلني أحد شخصيات العمل متفاعلاً مع الباقية، أعيش بينهم، أتخيل نفسي أحدهم.
هذا ما أبحث عنه ولا أبحث عن جنسه أو لونه أو دينه أو سيرته الذاتية.
وأشعر بغرابة شديدة ممن يطلبون السيرة الذاتية لمؤلف عمل ما ولا أحجر عليهم ولكني استغرب طلبهم هذا، ما شأني بسيرته الذاتية، هب أنه عربيد سكير زنديق، مال العمل وماله.
أنا اقرأ عمله منفصلاً عنه، هناك من يوجد رابط واهي بين من يكتب وبين حياته الشخصية، فليكن، أفعل ذلك ولكن يبدو لي رابطاً واهياً.
أنا لا أحب عبد الرحمن الأبنودي على المستوى الشخصي ولكني أحب شعره.
أنا لا أحب زيدان على المستوى الشخصي ولكني أحب بعض أعماله وهكذا.
التداعيات في هذا المنشور دفعتني للخوض في عدة موضوعات، يفتح لكل موضوعٍ منها منشور مستقل ولكنها تداعيات الكتابة فأعذروني.
Comentários