رواية موستار للكاتب جمال عبدالرحيم، تقع في قرابة المئتي وخمسين صفحة، من القطع المتوسط، على حد علمي الشخصي ووفق قراءاتي أنا، أن الكاتب جمال عبد الرحيم هو الأديب العربي الأول الذي يطرق باب الأدب بموضوع البوسنة والهرسك وتلك الحرب الضروس التي دارت رحاها في أوروبا بين الصرب والكرواتيين والبوسنيين. لا أعلم إذا كان هناك أديب عربي آخر تناول هذا الموضوع في قالب روائي أدبي، لربما هناك من فعل ولكن وفق علمي الشخصي وقد أكون مخطيء لم أسمع بهذا، وإن كان هو الأول فله الفضل والأسبقية في ذلك، أن يّذكرنا بهذه المأساة العظيمة بعد مضي ما يقرب العقدين من الزمن فتكون تذكرة لمن عايشوا أحداثها وتأريخ لمن جاءوا بعد هذه الأحداث الجسيمة ليتعرفوا على جانب مهم منها. فهذه نقطة تحسب له إن كان الأول في هذا الأمر، وأما الأسلوب اللغوي للكاتب فهو ليس محل نقاش فقبل أن يكون روائياً هو بالأساس شاعر، فبالتالي لا حاجة لنا للحديث عن الأسلوب الأدبي واللغوي للعمل. ولربما كانت هناك ملحوظة شكلية أن الكاتب استعان بعدد من العبارات المقولبة ولكن من منا لا يفعل ذلك، أنا أفعلها كثيراً في أعمالي الأدبية فهي لا تحسب عليه وإن كان الأولى بنا وليس الكلام موجهاً له وحده أن نسعى لاستحداث وابتكار قوالبنا نحن، لتكون درباً يسير عليه كتّاب المستقبل ولكن كما قلت هذه ملحوظة شكلية لا تعيب النص ولا تقدح فيه ولكن يكفيه أن أسلوبه الأدبي واللغوي ليس محل نقاش هنا لأنه في ظني خلى من أي عيب. اسم الرواية ملفت وهي "موستار" والتي ستعرف من الصفحات الأولى أنها مدينة بوسنية، والطريف في الأمر أن معظم أحداث الرواية تقع في مدينة سرايفيو وليس في موستار!، إذا قارنا بين بعض الأحداث التي دارت في موستار وبين ما دار في سرايفيو لكان الأولى تسمية الرواية باسم سرايفيو وليس موستار، ولكن سرايفيو اسم معروف للإذهان وقد لا يدفع القاريء للاهتمام بالعمل ولكن الإتيان باسم غريب على الإذهان مؤكد سيسترعي انتباه القاريء، فأحسب أن الكاتب فعلها (وقد أكون مخطيء) للفت نظر القاريء لروايته. تبدأ الرواية بمشهد لمعلم في مدرسة شبه متهدمة بمدينة موستار ثم ينتقل بنا الكاتب من موستار إلى القاهرة ثم العودة إلى أحداث متفرقة عامة في البوسنة ثم إلى القاهرة ثم إلى سرايفيو حيث تدور معظم أحداث الرواية. كثيرة هي التنقلات المكانية في الرواية ولكن الحقيقة غير مربكة بل بدت موفقة إلى حد كبير، الرواية فيها الكثير من الشخصيات الثانوية وهناك بطلين أساسيين للعمل وهما خالد المصري وسابينا البوسنية. مما يجب أن أنقله هنا هو أنني استطعت تخمين معظم أحداث الرواية، إن لم يكن كلها، لم تخالف أي من أحداثها توقعاتي، عندما أتى أول مرة على ذكر سابينا وقد سبق أن مهد لخالد أدركت على الفور أنهما سيقعا في الحب وهذا ما كان، أن يتزوجا وهذا ما كان، أن ينجو خالد من أهوال حرب البوسنة بعد تطوعه للجهاد وهذا ما كان، أن ينجبا طفلة أنثى وليس ذكراً، أيضاً استطعت التكهن بذلك! أن تكون من تبعيات وقوع زلزال 1992 إرتحاله للبوسنة والجهاد هناك، كل هذا كان مقروءاً بالكامل بالنسبة لي، الأحداث بالنسبة لي كقاريء لم تكن في طور التطور أوالتصاعد أوالتدرج، كانت كل الأحداث مكشوفة لي منذ البداية حتى النهاية، هل هذا لأني كاتب أنا الآخر فمن السهل أن أتكهن؟، ربما هذا عامل، ولكن بالنسبة للقاريء العادي الذي لا يمارس الكتابة، هل راوده نفس شعوري؟، لا أستطيع الجزم بهذا الأمر من عدمه لأنه يجب أن يخبرنا بذلك قاريء لا يمارس الكتابة، هل كانت كل الأحداث مكشوفة ومقروءة بالنسبة له هو الآخر؟ أن يكون خالد مجاهد ذو صيت ونجيباً بين أقرانه، هذا أيضاً من القوالب المعروفة، يجب أن يزين البطل بكل صفات البطولة، يجب أن يكون والد سابينا على نفس مستوى الحدث حتى يضعنا الكاتب أمام عائلة أسطورية في مقابل بطل أسطوري، فتجد والد سابينا الذي كان يعمل معلماً للتاريخ بدون مقدمات واضحة أصبح قائداً عسكرياً فذاً في موستار، لم يعطي الكاتب أي مقدمات أو إشارات بسيطة توحي بأنه مؤهل لهذا الدور وعزيت ذلك لأنه يجب أن يحتل مكانة مرموقة حتى يتوافق مع صفات خالد البطولية المميزة. كنت سأتقبل ببساطة شديدة أن يتحول والد سابينا لمقاتل، هذا أمر مقبول ولكن ليس بالضرورة أن يكون قائداً فذاً، لم تكن هناك ضرورة لذلك الحقيقة ولكن الكاتب فعل ذلك جرياً على العادة. لم يكن مطلوباً أن تكون سابينا فائقة الجمال، كان من الممكن أن تكون فتاة عادية ولكن حتى تتوافق مع صفات البطل الأسطورية يجب أن تكون فاتنة!، لم يكن مطلوباً من خالد أن يكون بطلاً نجيباً، كان من الممكن أن يكون مقاتلاً عادياً ولكن كما قلت جرياً على العادة. وكان الكاتب أمام خيارين ليختم الرواية، كلاهما أمّر من بعضهما!، أما أن يصنع نهاية سعيدة بأن يبقي على خالد حياً وتكون النهاية المتوقعة أن يتزوج من سابينا جميلة الجميلات وينجب منها طفلة فائقة الجمال أو أن يضع حداً لحياة خالد وتزرف على أثرها سابينا الدموع، هذه نهاية سعيدة وهذه نهاية دراماتيكية قد توصم بالمبالغة من أجل استثارة مشاعر القاريء والأخرى نهاية سعيدة لن يقف عندها القاريء كثيراً. من الممكن أن يسأل أحدهم وهل يجب أن يموت؟، من الممكن أن ما صبغه الكاتب من خياله قد يحدث بالفعل، نعم هذا صحيح، ولكنها في مقام الرواية يتم النظر إليها بشكل مختلف، هل سنتعامل معها على أن هذا يحدث في الواقع؟، في الواقع كل هذه الأمور مطروحة وقابلة لأن تحدث، أن ترى شحاذاً صبيحة اليوم التالي غنياً ومن الأعيان، من الممكن أن يحدث!، ولكن في سياق عمل فني يبقى أنه محل شك واعتراض، على الأقل بالنسبة لي. كنت أتمنى أن أرى شخوصاً يتسمون بالبساطة في التكوين والتفكير والأفعال وقادرين أيضاً أن يكونوا طرف في صنع المعجزات، هذا هو الأقرب إلى الواقع حقيقة وما عادا ذلك تكون استثناءات الواقع التي لا يعول عليها في كتابة أدب واقعي. هناك جانب آخر في العمل لفت انتباهي، هل كان هناك حشو زائد في العمل؟، الحقيقة نعم، سأذكر فقط ما سجلته ذاكرتي، حدث مثل إطلاق سراح الشيخ سعيد أنور في مصر من قِبل أمن الدولة، هل هو حدث ضروري؟، يحتاجه العمل الأدبي، هل لو تم حذفه سيؤثر في العمل؟، إطلاقاً إذا قمنا بحذفه لن يخل بالعمل فبالتالي اعتبرته أنا حشواً زائداً. أيضاً مشهد اجتماع كلينتون مع الرئيس الصربي والكرواتي والبوسني وما دار بينهم من حوار، هل كان ضرورياً؟، بالنسبة لي ليس ضرورياً على الإطلاق، بحذفه لا يؤثر على العمل، كان يكفي المقطع الذي أورده الكاتب من بيان الرئيس البوسني بعد توقيع الإتفاق المبدئي بين الروؤساء الثلاثة ثم رده على سؤال الصحفي، كان يمكن الإكتفاء بهذا المشهد فقط ويتم صياغته على شكل أن المجاهدين يتجمهرون أمام التلفاز يتابعون مقتطف من بيان الرئيس البوسني يتابعون رده على سؤال الصحفي. ثم الدخول بمشهد آخر لحديث هامس بين كلينتون والرئيس البوسني عن وضع العرب في البوسنة ورغبة الرئيس كلينتون في أن يّرحل الرئيس البوسني العرب من بلاده ووعد الرئيس البوسني له بأنه سيعمل على تصحيح أوضاعهم بشكل قانوني، كان يمكن أن يكون هذا مشهداً مستقلاً بعد المشهد السابق الذي أقترحته. ما سبق ذلك كله كان حشواً زائداً بلاشك ولا أنفي أن الكاتب حاول أن يجعل لهذا الحشو أهمية بأن بين لنا أن الرئيس الصربي تنازل عن سرايفيو ولا أعلم هل نسى الكاتب أنه نوه على نية الرئيس الصربي لفعل ذلك في الصفحات السابقة لهذا الحدث أم لا؟ لقد استنتجت هذا الأمر من الصفحات التي سبقت هذا الحدث، إذن كان هذا المشهد في مجمله حشواً زائداً. أيضاً هناك حوارين صحفيين بين صحفياً ما والرئيس الصربي حول الأوضاع في البوسنة، الحقيقة أنه لم يكن لهما أي ضرورة ولم يقدما أي جديد لأحداث الرواية، حذفهما بالكامل سيكون لصالح العمل وقطع طريق الملل على القاريء، كافياً جداً أن نقرأ مشهد للرئيس الصربي وهو يستمع للأخبار التي تعلن تدخل القوات الأمريكية في الحرب وتفكيره في التضحية بضم سرايفيو لدولة الصرب الكبرى من أجل أنقاذ الصرب كما بين الكاتب ذلك، كان ذلك كافياً جداً أما الحوارين الصحفيين مجرد حشو زائد. أيضاً أنصرف الكاتب لملء ما لا يقل عن ثلاثة صفحات تقريباً عن دحر الجيش البوسني للقوات المسلمة الأخرى التي تمردت وانضمت للصرب وأيضاً تقدم القوات البوسنية المسلمة على حساب القوات الكرواتية في موستار، وصف ذلك في ثلاثة صفحات فكان أسلوباً مقالياً تماماً بعيد عن نسق الرواية ومقوماتها، هذا الكم من المعلومات أما أن يتم صياغته في شكل حوار بين عدة أشخاص ويخلق جو من الحوار المشحون وأما أن يأتي رسم كل هذا التقرير الإخباري في شكل أحداث روائية تضيف للرواية ولا تبدو فيها كحشو زائد. في مشهد النهاية جلس البطل ليسجل مذكراته فتصورت أن الكاتب سيسهب لصفحة ونصف في وصف مشاعر البطل التي صاحبت كل تلك الأحداث الجسام ولكن الحقيقة وجدته يصرف البطل لكتابة تقرير مصغر عن أكبر مجزرة جماعية قام بها الصرب ضد البوسنة راح ضحيتها ثمانية آلاف مدني!، هل هذا ما نكتبه في مذاكراتنا؟، أما أننا ندون أحداثنا الشخصية أو تسجيل لمشاعرنا التي صاحبت هذه الأحداث أما أن أكتب تقريراً إخبارياً عن مجازر حدثت، أعلم أن الكاتب يريد أن يمدنا بالمزيد من المعلومات حول أوضاع البوسنة وحاول أن يدمجها مع أحداث العمل ولكن جاء اختيار التوظيف في غير محله. أيضاً شعرت بأن الكاتب في الفصل الأخير تحير فيما يمكن أن يستهل به هذا الفصل فوضع نبذة مختصرة عن كل أحداث الرواية فيما يقرب من صفحة ونصف الصفحة تقريباً، لماذا تقوم بتلخيص الرواية لي؟، بدون قصد تريد أن تقول أنه يمكن اختصار كل ما سبق من مئتي صحفة ويزيد في صفحة ونصف، يا رجل أنت بذلك تقتل عملك، بالله عليك لا تفعل ذلك فيما بعد! أيضاً وأعلم أن البعض سيسيء فهم كلامي إلى حد كبير ولكن لا يعنيني هذا الأمر تماماً، أن يفهم الآخرون ما سأقوله على نحو خاطيء لا يمثل لي أهمية حقيقة!، يذكر الكاتب في مواضع كثيرة بالرواية عبارات على شاكلة : وقد كُتب لهم النصر بفضل الله أولاً ثم عزيمة وإصرار من الجنود المقاتلين، وعبارات أخرى على وزن ولولا فضل الله عليهم .... كانت هناك عبارات على هذه الشاكلة ليس لفظاً ولكن معنى، سيسيء البعض الظن ويقول وهل تعترض على الله ومشيئته؟، لا حاجة لي بالرد على هذا السؤال الساذج، من يقوم بإيراد عبارات مثل هذه هو خرج بالعمل من مقام الرواية إلى مقام الأسلوب الخطابي الديني، هذا خلط لأسلوبيين أدبيين لكل منهما مقامه. يقول الكاتب في أحد فقرات الرواية "فإن استشهد ففي جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر" !، حقاً استغربت الأمر كثيراً، هل هذا نص أدبي؟، أم خطبة دينية؟، لماذا هذا الخلط الغريب بين أسلوبيين أدبيين لكل منهما مقامه كما ذكرت. ويتكرر هذا الأمر على طول خط العمل، وهناك خطأ فني آخر، وهو إقحام صوت الكاتب في النص الأدبي، بمعنى تدخل الكاتب عدة مرات ليبدي رأيه الشخصي في بعض الشخوص بأن يقول، ولأفعاله الشيطانية....، ذلك القبيح ... ينعت شخصيات عمله بنعوت تحمل موقفه الشخصي منهم، هناك طريقتين لمعالجة هذا الأمر، أما أن تسرب لي رأيك الشخصي من خلال شخوص العمل على ألسنتهم أو من خلال الأحداث، أما أن تستعيض عن ذلك بإصدار حكمك الشخصي، فأنت كأنك تجبرني على أن أتخذ نفس موقفك وتقوم بتلقيني بما يجب علي أن أشعر به اتجاه هؤلاء وهذا عيب فني جسيم للأسف. تذكرت للتو؛ إذا أردت أن تطلق أحكام فورية مباشرة على بعض شخوص العمل فهناك طريق ثالث بالفعل وهو أن تكون أنت أحد الرواة والذي يعّرف بأنه الرواي المشارك المفرد أو المتعدد، فيقبل وقتها دخول صوتك في النص والتعبير عن رأيك الشخصي أما استخدام الرواي العليم وتجعله في موقع إصدار الأحكام بشكل مباشر على الشخوص، هذا إفساد لدور الرواي العليم، هذا الأمر كما أشرت يسرب في حوار شخوص العمل أو من خلال الأحداث إن قررت الاستعانة بنوع الرواي العليم. أيضاً هناك في مشهد النهاية؛ خالد يُخرج من جيب بنطاله هويته الشخصية البوسنية، فشعرت أنه لا يثق في فطنتي وذكائي كقاريء، فبعد حديث الرئيس البوسني الهامس مع كلينتون ووعده بتصحيح أوضاع العرب، ثم يلي ذلك مشهد خالد بجوار سابينا يعني أنني فهمت ضمنياً أنه حصل على الجنسية البوسنية، لم تكن هناك حاجة لأن تؤكد لي على هذا الأمر خشية أنني لن أفهم الأمر! وبدا فعل خالد غير مبرر على الإطلاق ولم يكن الهدف منه سوى أن أفهم بشكل مباشر أنه حصل على الجنسية البوسنية، أحب أن أطمئنك أنني استطعت تخمين ذلك في الصفحات السابقة بمنتهى السهولة. أيضاً لن أتطرق لأمر الثبت بالمراجع التي اعتمد عليها الكاتب في كتابة هذه الرواية والتذكير بين الفينة والأخرى في هوامش الصفحات، أن هذا الحدث حدث بالفعل أو إن هذه الشخصية حقيقية. لقد تطرقت إلى هذا الأمر في رواية على الجانب الآخر للكاتبة إنجي مطاوع ورفضت أن تعامل الرواية معاملة الكتاب التاريخي الذي يجب أن ألحق به ثبت للمراجع، هذا ليس كتاباً في التاريخ، حتى أقوم بمحاكمتك على كل معلومة وردت به، هذا عمل أدبي يعتمد أولاً على خيالك يضفر فيه بعض المعلومات التي قد تحرف فيها بعض الشيء وفق ما يمليه عليك خيالك، وليس من حق القاريء أو الناقد أن يحاكمك على ما ورد في العمل الأدبي من معلومات تاريخية، يحاكمك على هذا الأمر إذا كتبت على غلاف العمل "كتاب تاريخي" من حقه وقتها أن يحاكمك كيفما يشاء أما وإنها رواية فلك الحق أن تقلب هذا التاريخ رأساً على عقب ولست ملزماً بأن تؤكد على صحة المعلومات الواردة فيه، من يقاضي معلوماتك التاريخية الواردة في عمل أدبي، العيب فيه وليس فيك! ويحضرني في هذا الأمر بمناسبة أن الكاتب وضع ثبت بالمراجع أنه ذكر مشهد لإنفجار طائرة تضم وزير خارجية البوسنة فوق الأراضي الكرواتية وكنت أنتظر أن يكتب بجوارها حقيقة تاريخية ولكنه لم يفعل، فأسأله هنا: هل هذا حدث بالفعل؟ للأسف أنت من جعلتني أسأل وراء كل حدث تورده في عملك، هل هو حقيقياً أم لا؟، مثل تمرد الضابط المصري ناصر في قوات الأمم المتحدة على القوات الصربية والاشتباك معهم في صراع مسلح، هل هذا حدث بالفعل أم أنه من خيال المؤلف؟، للأسف فقدت متعتي بالاستمتاع بخيالك من كثرة ما وجدت من نجوم تشير إلى أن هذا الحدث حدث بالفعل! من قرأ رواية كتيبة سوداء لمحمد المنسي قنديل وهي رواية تخيلية تاريخية في ذات الوقت، حقاً لم يفعل الكاتب أياً من ذلك، لم يضع ثبتاً بالمراجع ولم يذكر في هوامش الصفحات أن هذا الحدث تحديداً حدث بالفعل، بل خلط الحقيقي بالمتخيل، فكنت منسجماً أشد الإنسجام مع أحداث الرواية، أن اختلط عندي كلا الأمرين، ومن ثم قمت أنا كقاريء بالتحقق من بعض المعلومات التاريخية الواردة في العمل فوجدت بعضها صحيح وبعضها الآخر من خيال المؤلف ولكن أثناء تجربة القراءة كنت مستمتعاً أشد الاستمتاع بأحداث العمل لا يقطعني بين الحين والآخر "هذا حقيقي"، فأرنو إلى حدث آخر وما أن أعلن عن إعجابي به حتى يقول الكاتب: حقيقي! رجاءً توقف عن الهمس في أذني، دعني استمتع بالرواية! أيضاً شخصية ناصر في الرواية، أربكتني كثيراً، هل ناصر الذي رافق خالد في مصر هو ناصر الضابط في الجيش المصري الذي انضم لقوات الأمم المتحدة العاملة في منطقة البوسنة؟ حقاً اختلط علي الأمر تماماً، حتى كان هناك مشهدين أكدا لي أن كلا الناصرين شخص واحد، مرة عندما تذكر الشيخ سعيد أنور ناصر وخالد معاً ومرة أخرى حينما تذكر خالد ناصر وهو برفقة زوجته سابينا. ومن ثم توقفت لهنيهة أستعيد الأحداث الأولى عن ناصر الذي رافق خالد في مصر، وأعدت قراءة هذه الصفحات مرة أخرى لتستعيد ذاكرتي أن ناصر كان أخوانياً ثم قلبت الصفحات قدماً لاكتشف أن ناصر فيما بعد كان ضابطاً في الجيش المصري. صديقي هذا خطأ فادح لا أعلم هل أنت على علم بذلك أم لا؟، ولكن أنا قبل أن أكون قاريء كنت مجنداً في الجيش المصري وأؤكد لك بما لا يدع مجال للشك أو الجدال حول هذا الأمر، أقول لك بكل ثقة من غير الممكن على الإطلاق أن يتم تجنيد أي مواطن له خلفية أخوانية في الجيش المصري وليس ذلك فقط بل دعني أزيدك وأقول ولو له أقارب من الأخوان!، لا يقبل كمجند في الجيش المصري، وأما بالنسبة لضابط في الجيش المصري كن على ثقة تامة لا يمكن أن يقبل التحاق أي مواطن بأي كلية عسكرية وهو عضو في الأخوان أو حتى متعاطف معها أو له أقارب من الدرجة التسعين منتمين للأخوان. لا جيش ولا شرطة، كن على ثقة من ذلك. ومن أحداث روايتك تيقنت أن ناصر أخوانياً تماماً فمن غير الممكن أن يكون في صفوف الجيش المصري ليس فقط ضابطاً ولا حتى عسكرياً له خلفية أخوانية! بل الطريف أنه يقبل تجنيد المنتمين للجماعات السلفية شريطة أن يحلقوا ذقونهم ولا يدور أي شك حولهم ويتم معاملتهم كسائر الجنود الآخرين الذين لا ينتمون لأي خلفيات أيدلوجية إلا الأخوان لا تطأ أقدامهم الجيش المصري أبداً، وهذا تحديداً منذ أن اعتلى جمال عبد الناصر كرسي الرئاسة، تحول هذا الأمر في الجيش المصري إلى ما يشبه العقيدة! ولكن يبقى أن الرواية نفسها محاولة جيدة جداً لطرق موضوع أتصور أنه لم يطرقه أحد من قبلك وبذلك أنت أصبت إحدي الحسنيين، مبارك لك إن كنت أنت أول أديب عربي يطرق هذا الموضوع في قالب أدبي وبالتوفيق لك في أعمالك القادمة.
Comments