قرأت مؤخراً رواية 1984 لجورج أوريل، رواية جيدة جداً بالفعل، ولكنها ليست الرواية الرائعة، ليست علامة في الأدب العالمي، هي بالتأكيد بالنسبة لي ليست كذلك، أما عقل جورج أوريل في الاستبداد فهو عقل استثنائي في إبتداع وسائل الاستبداد والديكتاتورية، لديه خيال جامح في السادية، لا أعرف ما ذكره من أحداث عن الاستبداد والظلم في روايته هل هي حكايات سمع عنها أو قرأ عنها أو أنها من نبت خياله؟، لو كانت معظمها من نبت خياله فخياله سادي جداً.
عدد من الأفكار الفلسفية يناقشها طول العمل وهي مصاغة على نحو جيد جداً وعلى المستوى الشخصي اقتنعت بالعديد من آراءه الفلسفية عن الثوارات والاستبداد وقبول الشعوب للاستعباد ، بلاشك هو رجل صاحب رؤية واضحة عميقة في شرح الاستبداد فلسفياً وتأثيره المجتمعي وحديثه عن مصطلح الفكر المزدوج وكيفية ممارسته بوعي أو بدون وعي، مجموعة مهمة جداً من الأفكار المفيدة عن تفهم طبيعة الاستبداد، ولكن كل ذلك أثر بلاشك في المقومات الفنية للرواية وبعث فيها روح الملل والاستطراد والجنوح للأسلوب الخطابي والتقريري في بعض الأحيان، رتابة في الأحداث ويمكن حذف الكثير منها ولا يؤثر في العمل مما يعتبر فنياً حشو زائد، لأنه طالما تمكنا من حذف عدد من المشاهد فهي تعني بلاشك أنها حشو زائد غير موظفة أدبياً وإن كانت هي كوحدة مستقلة تمثل نص سردي جيد، على سبيل المثال: مشاهد لقاء البطل والبطلة في ذلك الدكان، تكرر أكثر من مرة بلا داعي وحذف كل مشاهد لقاءاتهما والإبقاء على اثنين فقط لا يخل أبداً بالعمل.
عرض أفكاره الفلسفية عن الإستبداد بدون محاولة دمجها في ثنايا النص السردي وأن تروى من خلال الشخوص والأحداث هو يعتبر من العيوب الفنية، حيث تمثل ظاهرة إقحام صوت الكاتب في النص بشكل واضح وصريح، ولكن البعض الآخر يشفع له هذا الأمر من باب حلاوة العرض الفلسفي لفكرة الإستبداد والطغيان ولكني على الرغم من حلاوة العرض لم يفوتني أنه لازال يمثل عيباً فنياً كبيراً، فعلى سبيل المثال: يورد الكاتب فصلين كاملين من كتاب متخيل لإحدى المناهضين لنظام الحكم يتحدث فيه عن رؤيته الشخصية للاستبداد متمثلاً في هذا النظام الحاكم ويفترض من خلال هذا الكتاب تركيبة اجتماعية عالمية مختلفة تماماً عما هي عليه الآن ويطرح حولها النقاشات الفلسفية، لو صدر هذا الأمر من كاتب مغمور أو غير مشهور لوجه إليه وابل من الانتقادات اللاذعة والعنيفة ولكن النقاد إلى حد كبير يجنحون لتخطي هذه العيوب الفنية للكتّاب الكبار، ولا أفهم لماذا؟
يبقى أنه عمل جيد جداً بالفعل ولكن لا يرقى لأن يكون من روائع الأدب العالمي بإي حال من الأحوال، سيعتبر البعض أو الكثيرين هذه الجملة الأخيرة هي ذائقة شخصية بحتة لكاتب المقال ولهم الحق في ذلك، فهذا السطر الأخير يمثل رأي الشخصي بالفعل ولا يمثل رأياً نقدياً.
Comments