top of page
صورة الكاتبمروان محمد

رواية على الجانب الآخر

الكاتب مروان محمد عبده
على الجانب الآخر

رواية على الجانب الآخر للكاتبة المصرية انجي مطاوع، حاولت أن أقرأ لها من قبل الكونتيسة ولكني لم استطع، وجدتها رواية شعرية مغرقة إلى حد مفزع بالنسبة لي في الرومانسية فبالتالي لم استطع مواصلة قراءة العمل وانصرفت عنه، أما رواية على الجانب الآخر فهي شيء مختلف تماماً، هي رواية لن تتوقف عن قراءتها أو تمل قراءتها على الإطلاق، نظراً لضيق وقتي لكنت انهيتها في يوم واحد أو يومين على الأكثر نظراً لأنها تقريبا تتخطي المئتي وأربعين صفحة، رواية ممتعة بمعنى الكلمة، للدرجة التي دفعتني للشك في الكاتبة، متى ذهبت إلى حيفا؟ وأخذت هذه الجولة السياحية شديدة الدقة في وصف الأماكن؟!، إلى حد ليس فقط وصف الأماكن السياحية والحدائق والمنتزهات العامة ولكن وصف المطاعم والأسواق واسماء هذه المطاعم وكيف تبدو من الداخل؟!، شيء مذهل بالفعل وتكرر نفس الأمر مع القدس ربما بوصف أقل ولكن يبقى ذلك التساؤل الذي لن يفارق رأسك أبداً وأنت تقرأ هذه الرواية، سؤال ستوجهه حتماً إلى الكاتبة؟، متى ذهبتِ إلى هناك؟، يجب أن تخبرينا بتلك الرحلة السرية. هل يمكن أن يكون هذا عائد فقط لكثرة قراءاتها عن هذه المناطق؟، لا يمكن، لازالت غير مقتنعاً، هل هي أفلام سياحية شاهدتها؟، ربما ولكن أعتقد أن أي فلسطيني من المقدسيين أو من حيفا عندما يقرأ هذه الرواية سيذهل وهو يسأل كيف لهذه الكاتبة المصرية أن تعرف هذه التفاصيل وبمنتهى الدقة؟، من المؤكد أنها زارتنا في وقتٍ ما. ناهيك عن التفاصيل، هناك إسهاب شديد في المعلومات عن الطوائف الدينية اليهودية، معلومات غزيرة ومن الممكن أن تتضاءل كلمة غزيرة أمام ما هو مطروح في العمل من معلومات عن الطوائف الدينية اليهودية، والنظام الجامعي في جامعة حيفا والتي يختلط فيها الطلبة الفلسطينيين مع الإسرائيليين. والتفاعل بين الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين، علاقات الحب التي تنشأ بين الجانبين وأن هناك فلسطينيين متزوجين من إسرائيلين ولهم مناطق يعيشون فيها. أن هناك أحزاب سياسية الانتماءات لها عرقية أو مذهبية بين اليهود، أنت أمام كتاب ثري بالمعلومات، إذا أردت أن تعرف إسرائيل من الداخل فعليك بقراءة هذا العمل. لغة الكاتبة تختلف 180 درجة في هذا العمل من الشاعرية المفرطة من وجهة نظري إلى أسلوب أدبي سهل مقبول ومن وجهة نظري لازال قوياً، لا يجنح إلى الركاكة ولا يتفذلك. ما أرفضه أنا على نحو شخصي ولا يعيب الكاتبة أو يعيب العمل نفسه، هو أن الكاتبة من فرط اهتمامها بدقة المعلومات التي ترد في عملها أنها وضعت قائمة بمراجع ومصادر الكتب التي استعانت بها في كتابة روايتها، هذا الأمر أغضبني غضباً شديداً للحق (وهذا رأي الشخصي حتى أكون واضحاً، لا يمثل اتجاه نقدي أو أدبي معين)، وضعت قائمة بمراجع تربو عن العشرين مرجعاً فتحول العمل الروائي بالنسبة لي إلى عمل تاريخي أو بحثي، فضلاً عن شروحات قصيرة ومطولة في هوامش الصفحات بشكل أزعجني جداً. أحياناً كنت أنسى وأنا أقرأ العمل أنني أمام رواية ولكن أمام كتاب بحثي زاخر بالمعلومات الشيقة والمثيرة والموثقة بدقة متناهية، كأن الكاتبة تريد بكل الطرق أن تتفادى أي رأي نقدي أو رأي قاريء من الممكن أن يطعن في صحة ما أوردت من معلومات، قطعت الطريق أمام أي متشكك في مصدر معلوماتها مع شروحات وإضافات كثيرة في صفحات كثيرة من العمل، من يقرأ هذه السطور، سيصفق لها إعجاباً ولكني شعرت بغضبٍ شديد، حقاً غضبت بشدة، ذكرني ذلك بروايتي التربة الحمراء والتي تعتمد على الكثير جداً من المعلومات التاريخية والعقائدية، هل أضع قائمة بالمراجع التي استقيت منها معلوماتي التاريخية والعقائدية؟، هل أضع بعض الشروحات في هوامش الصفحات؟، هل أتحرى عن مدى دقة بعض المعلومات التاريخية أو العقائدية في العمل حتى لا يتسلط علي قاريء أو ناقد بالتشكيك في معلوماتي العقائدية أو التاريخية؟، وفي ظل هذه المناقشات التي كنت أديرها مع نفسي توقفت فجأة وقلت مهلاً: أنا لا أقدم بحث تاريخي أو عقائدي أو دراسة عن مقارنة الأديان، ليس هذا ما أفعله، أنا أقدم عمل أدبي إبداعي يقوم بالإساس على خيالي، خيالي هو من يبتكر ويصنع هذا العالم ويصيغه كيفما يشاء، إذن تصنيفي وغربلتي للمعلومات التاريخية لا يقوم على مدى مصداقيتها من عدمها ولكنه يقوم على مدى ملائمتها للعمل من عدمه، هل يخدم السياق الدرامي للعمل أم لا؟، هل في وضعه إفادة تّخدم على الأحداث اللاحقة والسابقة؟، هذا ما يجب أن أفكر فيه، كيف يمكن أن تنفعني تلك المعلومات في بناء عمل درامي تخيلي محكم؟، ولا يعنيني في أي مقام دقة المعلومات التاريخية والعقائدية من عدمها، لم أقل للقاريء أني أقدم لك كتاب تاريخي، خذه بثقة واستقي منه معلوماتك التاريخية والعقائدية، لم أدعي ذلك ولكني كتبت بوضوح على غلاف العمل أنها رواية، فأن أدرج رواية تاريخية ضعيفة أو مكذوبة، لا يهم طالما أنها تخدم العمل فنياً، أن أتناول حدث تاريخي معين وأحرف فيه بالإضافة أو الزيادة أو الإجتزاء فلي مطلق الحرية أن أفعل ذلك، هناك مشرط خيالي هو المتحكم يصنع في جسد الخيال ما يشاء، فليمزقه أرباً، وللقاريء والناقد أن يقول أما أن لدي خيالاً جيداً أو لا، أما أن يجلس الناقد أو القاريء ويحاكم نصوص تاريخية أوردتها في العمل ويختبر مصداقيتها من عدمها أو معلومات عقائدية، هذه مشكلته، أيها القاريء أو الناقد أقول لك: أنت من أخطأت تصنيف العمل، لم أقل أنه كتاب في التاريخ، بل قلت بوضوح أنه عمل روائي تساوي متخيل. ولم أقل لك خذ المعلومات التاريخية الواردة فيه بثقة وتثقف منها، لم أقل ذلك، فلا تحاسبني على تأويلاتك الشخصية كناقد أو كقاريء، إن قلت (هذا عمل روائي تم التحقق من مصادر المعلومات الواردة فيه وتبين بعد التحري أنه لا يرقى إليها الشك وتم وضعها كما هي بغير تصرف)، إذن فلتقم بتمزيقي أرباً وقتها، فأنا من جنيت على نفسي بهذه المقولة ولكن في حالة إني لم أقل أياً من هذا، فلتدعني وشأني في روايتي هذه سأخرب التاريخ كله وأقلبه رأساً على عقب، هذا شأني! يمكنك كقاريء أن تتحرى أنت عن هذه المعلومات التاريخية التي أوردتها في عملي، وتحقق منها كما شئت واختبر مصداقيتها من عدمها، هذا تأويلك وإعادة إنتاجك للنص الأدبي كمتلقي لك مطلق الحرية فيها ولا شأن لي بذلك! فلنعد لعمل الكاتبة إنجي مطاوع هي كمن قالت أنا أقدم لك ورقة بحثية مدققة بعناية مثبتة بمراجع بحث وشروحات في هوامش النص، يا الله، لقد جنيتِ على نفسك! ستجعلين القراء والنقاد يتركون ورائهم جمال العمل أدبياً لينصرفوا لمحاكمة عملك كورقة بحثية!، يا الله. ومن فرط حرص الكاتبة إنها لم تعبث بخيالها كثيراً بشأن بعض الشخصيات حتى تتوافق المعلومة الواردة عنهم مع شخصياتهم فرسمتها وفق تلك المعلومة بدقة ولم تحيد عنها فضيقت خيالها مع بعض الشخصيات وعلى سبيل المثال هناك شخصية أرائييل "تقريباً" الذي تزوج من صديقة البطلة، رسم بهذه الطريقة في حدود المعلومات المتاحة ولم تتصرف الكاتبة بشأنه مستعينة بخيالها، لم تطلق العنان بشأن هذا الشخص لخيالها، قيدت الخيال في بعض المواضع بسبب تحريها اتساق المعلومة الواردة مع بعض الشخصيات أو الأحداث. للأسف أيضاً نتيجة للنظرة الأكاديمية التي صاغت بها الكاتبة العمل، خرجت بعض مقاطع الرواية في صورة مقالة مطولة ممتعة عن معلومات تاريخية عن اليهود والحركة الصهيونية وعن بعض المزارات فكنت أمام مقالات مضمنة داخل العمل الروائي، لم تعمل فيه الكاتبة مشرط الخيال لتحاول دمجه دمجاً مع سياق الأحداث ولكن جاء منفصلاً إلى حد ما خاصة في شروحات عامر ووليد وصديقة البطلة لبعض الأماكن كنت أمام عدد من الصفحات التي تشرح لي وضعاً تاريخياً معيناً، حتى الحوارات والنقاشات الساخنة بين والد عامر وبين مجموعته المختلطة من فلسطينيين وإسرائيليين تحولت إلى مقالات تاريخية الرد والرد الآخر وأيضاً في مناقشات تويفا بطلة القصة مع والدها "ميراز". ضل عن الكاتبة في بعض المقاطع رسم انفعالات الشخصيات في ظل هذه النقاشات الحامية وجاء رسم الانفعالات متأخراً تارة مع بدء النقاش وتارة أخرى مع نهاية النقاش وأما ما بين ذلك وذاك، أنت تسمع شروحات تاريخية أو معلوماتية بحتة. جنحت الكاتبة في حديث مطول نسبياً بين عامر والبطلة تويفا إلى حوار شعري رومانسي أفقدني اتصالي بواقعية العمل وخشيت أن تجنح الكاتبة مرة أخرى لذلك الأسلوب الشعري في صياغة باقي العمل ولكنها سرعان ما تخلصت منه. كنت أتوقع أن تفرد الكاتبة مساحة أوسع للعلاقة بين عامر وتويفا والتي انتهت سريعاً بشكل أحنقني لأني كنت أتمنى أن تطول هذه العلاقة وأتعرف من خلالها على أبعاد أخرى لطبيعة العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لازالت أرى أن مساحة العلاقة بين عامر وتويفا كانت تحتمل صفحات أكثر من ذلك ولن تكون مملة لأن طبيعة هذه العلاقة الشاذة مثيرة جداً مهما طالت صفحاتها. أما الرسالة التي تبثها الكاتبة في نهاية العمل ولا أعلم إذا كانت تقصدها أم لا، فهنا سأجنح أيضاً لرأي الشخصي، لا أتفق فيها معها تماماً، هي ترى أن الحب هو سبيل صنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط إذا قرروا ذلك وأنا أرى كما قال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولا سلام إلا من بعد قوة وإثخان في الأرض، لا عدل ولا سلام يتحقق بدون أن نرهب الطرف الآخر وخاصة أننا نرجو من الله ما لا يرجون، فبالتالي تلك الرسالة المثالية الحالمة أرفضها قلباً وقالباً وإن كنت احترمها ،فضرب الأعناق حتى يأتوا صاغرين ومن ثم نجنح للسلم، أما أن قوة الحب كفيلة بأن تصنع ذلك، هذا ما لا وجود له في الحقيقة أو الواقع ولكنه فقط منطق القوة هو الكفيل بإحداث السلام، وطبعاً هذا رأي الشخصي ولكن إجمالاً فاته الكثير والكثير والكثير والكثير جداً من لم يقرأ هذه الرواية، فهي من الأعمال القليلة المميزة جداً. ملحوظة أخيرة/ غلاف العمل سيء إلى أقصى حد، عمل بهذه الروعة كان يستحق غلاف خلاب من خيال مصمم مبدع وأما من صنع هذا الغلاف ليس فقط فقير الخيال ولكنه أيضاً مجرد حرفي يعرف كيف يستخدم أدوات برنامج الفوتوشوب ولكن ليس لديه خيال ليصنع لنا لوحة رائعة تتبارز مع هذا العمل الرائع وأيضاً تكون انعكاس جيد لمحتواه الرائع.

١١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page