هي نفس الدعوة التي أكررها مراراً ولكن بأوجه مختلفة، الكتابة تعني أن تقرأ، لا توجد حلول سحرية بشأن الكتابة، بدون أن يسبقها شغف القراءة، نهم القراءة، القراءة في كل شيء، وأقصد المعنى الحرفي لأن تقرأ في كل شيء، هذا هو باب الكتابة، لا تأتيك مهارات الكتابة من عدم ولا تأتيك من خلال سلسلة من النصائح فقط أو الإرشادات ولكن منبعها كثرة القراءة، لا توجد حلول وسط بشأن اكتساب مهارات الكتابة، لا توجد مساومات أو مقايضات بشأن الكتابة، الدرب واحد والطريق واحد، إذا أردت أن تكتب فعليك أن تقرأ.
أن يغامر الكاتب بالخوض في مناطق كثيرة من مناطق الكتابة وألا يكتفي بمنطقة واحدة أجاد فيها الكتابة فلبث عليها عاكفاً منكباً، لا يلي غيرها ولا يصبو لدربٍ آخر هو جمود وتحييز لقلم الكاتب في منطقة معينة لا يغادرها أبداً.
يجب على الكاتب أن يجرب كل مناطق الكتابة، كل الاتجاهات، كل المدارس، أن يرتاد كل قوالب الكتابة، وهذا لن يدركه أو يعيه الكاتب بدون قراءة.
إذن أي نصائح تسدى بدون قراءة، هي ذرات غبار تزروها الرياح، هي كالنقش على الماء، لا تنساق وراء تعليقات الإستحسان والإعجاب ممن قرأوا لك، فإن لم تكن تقرأ كما ينبغي لكاتب أن يقرأ وكتبت نصاً استحسنه البعض فالطيور على أشكالها تقع، فاستحسن ما كتبت من لا يقرأ مثلك أو جل قراءاته سلاسل للجيب وشذرة من هنا أو هناك.
شاعر ويخطيء في لغته العربية، صديقي هو ذنباً لا يغتفر، وعذرك فيه أقبح من الذنب، فلا مفر تفر إليه وتتعذر به أمام أي خطأ لغوي، وإن أخطأت لغوياً فأنك تخطيء في الكبائر وليس مثلنا كتّاب الروايات قد يسقط منهم سهواً الصغائر من الأخطاء اللغوية، أما زعمك بأنك شاعر وأنت لا تفرق بين التاء المربوطة والهاء المربوطة ومتى تكون همزة وصل ومتى تكون همزة قطع، أن تكتب (عليكي)، أنت مخرف ولست بشاعر، حتى إن كاتب الرواية أو القصة إذا وقع في هذا الخطأ فهو ذنب لا يغتفر وتوبة لا تنفع.
وأما كتّاب شعر العامية وبعضهم يتبجح ويتعذر بإنه طالما يكتب العامية فلا حرج عليه في أن يخطيء في إملاءه ونحوه كيفما شاء، ويدعي زوراً أن العامية تحتمل ذلك، لا والله أنك لتفتري على شعر العامية كذباً.
وأما شعراء العامية والفصحى الذين صدعوا عقولنا بالأشواق والحب والهجر واللوعة والدموع التي يسكبونها ليلاً نهاراً على فقد الحبيب وغدر الحبيب والاشتياق للحبيب، وكيف أنه وكان وما كان منه ما لم يكن، إلى آخر هذه التُرهات، كفانا من شعركم الأعوج الأبله الأحمق هذا، أبدعوا أيها المستنسخون، أبدعوا أيها المقلدون، أبدعوا فأنتم تسرقون صور غيركم.
ولكتّاب القصة القصيرة والله العظيم ليس شرطاً أن تكون نهاية كل قصة تكتبونها مفارقة مدهشة لأنها مفارقات حمقاء مقولبة معلبة استهلكت عن بكرة أبيها، كفاكم من جرعة الدراما المفتعلة السمجة التي تضخونها في قصصكم المهترئة.
كفانا وكفاكم من قصصكم الوعظية وأصواتكم التي نسمعها أما في مستهل القصة أو في خاتمتها وأن تتفضلون علينا ببعض من الحكم والمواعظ المباشرة الفجة السخيفة، توقفوا عن كتابة النهايات المدهشة لأنها نهايات مزعجة مفتعلة فضلاً عن كونها محفوظة ونعرفها جيداً، لا يجب أن تنتهي كل قصة بنهاية صادمة لأنها تكون في الأغلب مبالغة ساذجة سطحية تنتمي إلى كتابات ما قبل مرحلة النضج الأدبي.
من الممكن أن تنتهي القصة القصيرة بدون أي مفارقات أو دهشة أو صدمة، من المقبول أن تنتهي بنهاية عادية لا تكون النهاية الخاتمة، كمثل الذي يضع موعظة حسنة ودروس مستفادة في نهاية عمله، أي خبل هذا؟، من أين تعلمتم هذه التُرهات؟!، من قال لكم أن هذا هو فن القصة، هذا هو فن الخبل وفقدان الإدراك والوعي.
أنا كقاريء لا يهمني رأيك ولا يعنيني في شيء وأضف إلى ذلك أن موعظتك الحسنة أحفظ ما هو أحسن وأفضل وأجمل منها! وتبدو موعظتك أمامها باهتة عارية من الجمال.
Comments