كتاب نبواءت الخيال العلمي للكاتب ياسين أحمد سعيد، صدرت عن دار فانتازيون للنشر والتوزيع، أولاً شرفت بالتعرف على ياسين أحمد سعيد منذ عدة سنوات مع بدايات دار حروف منثورة حيث صدر عن الدار عدد واحد فقط من مجلة في الخيال العلمي والماورائيات تحت عنوان ومضة من تحرير ياسين أحمد سعيد، وبالتالي ما فصله الكاتب في هذا الكتاب كانت بوادره الأولى جلية في العدد الأول من دورية ومضات. بداية الكتاب يقع في نحو مئتي ونيف صفحة، كتاب شيق للغاية لعشاق الخيال العلمي والماورائيات والذين يرغبون في التعرف على الرواد الكلاسكين للخيال العلمي وربط الكاتب بين نبوءات الخيال العلمي وإختراعات علمية ظهرت فيما بعد ونقاش حول إيهما أسبق على الآخر أو إيهما له الفضل على الآخر، الخيال العلمي أم العلم؟ وقد ذكر الكاتب في واحدة من فصول الكتاب في عجالة سريعة أعتقد أنه لم يوفيها حقها حول جدلية إيهما له المنة والفضل على الآخر (الخيال العلمي أم العلم)، وقد قام الكاتب بطرح جيد على الرغم من عجالته، أن الخيال العلمي قديماً في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حتى إربعينيات القرن الماضي كان له يد المنة والفضل على العلم فكم من رائد للخيال العلمي حينئذ تنبأ بالعديد من منجزات علمية مستقبلية ثم تحققت بعدها بسنوات أو بضعة عقود ثم طرح أن العلماء حالياً في العصر الحديث يقولون أن الخيال العلمي فيما مضى كان أسبق من العلم ولكن العلم الآن أصبح هو الأسبق وكتّاب الخيال العلمي يحاولون اللحاق به ويلهثون من فرط سرعته وجنح الكاتب في هذه الجزئية إلى محاولة إثبات لم تكن مقنعة بالنسبة لي أنه لازال للخيال العلمي المنة والفضل على العلم حتى الآن وإنه العلم لازال ينهل من خيال كتّاب الخيال العلمي، وطبعاً في هذا الصدد اختلف كلية مع الكاتب الفاضل وأقول الحق أن كتّاب الخيال العلمي أصبحوا بالكلية على مستوى العالم كله عاجزين عجز شبه كلي عن حتى ملاحقة ومواكبة العلم والتكنولوجيا الحديثة وما يقدمونه في أفلامهم أو رواياتهم أقل إبهاراً بكثير أو يكاد يكون عادياً جداً بالمقارنة بالمنجزات العلمية والتكنولوجية لهذه الأيام، فكلنا كل يوم على الإنترنت نطالع العديد من المنجزات العلمية والتكنولوجية والتي بحق أكثر إبهاراً بكثير أو بأشواط عن كتابات الخيال العلمي وكلما لهث بضعة من كتّاب الخيال العلمي ليبهرونا بتنبواءتهم ومحاولاتهم المضنية لاستبصار المستقبل وجه لهم العلم والتكنولجيا صفعة قوية تجعلنا مع إحترامي الكامل لهم ندفع بكتبهم جانباً ونلهث مبهورين وراء علم وتكنولوجيا اليوم. التخيلات التي يطرحها أهل التكنولوجيا لمدن المستقبل ومواصلات المستقبل وكافة وسائل الاتصال في المستقبل مذهلة مبهرة، يضعون سيناريو كامل أجزاء كثيرة منه محل تجريب وتفعيل على أرض الواقع والباقي من السيناريو تنقصهم فقط بضعة سنوات حتى يتحول إلى واقع، فبالتالي قد يظن البعض أني أبالغ إذا قلت أن العلم لم يعد فقط يسبق كتابات الخيال العلمي ولكنه استطاع إزاحتها جانباً وأستأثر هو بقدرته على إبهارنا بدون الحاجة إلى كتابات الخيال العلمي. العلم والتكنولوجيا في العصر الحديث أفقد كتّاب الخيال العلمي القدرة على الاستبصار وجعلهم مجرد متابعين لمنجزاته يحاولون توظيفها في أعمالهم وأكتفوا بدور أننا سنحاول أن نبهركم بهذا المنجز الموجود أصلاً في إطار تشويقي، لا أشاهد فيلم أمريكي حتى الآن في العقد الأخير على الأقل استطاع أن يقول أنه استبصر شيئاً لا نعرفه أو مزقنا أكفنا تمزيقاً بأنه كان استبصار من نوع فريد، لم يعد هذا موجوداً تماماً. نقطة أخرى أن عنوان الكتاب نبوءات الخيال العلمي ولكن في الحقيقة مضمون الكتاب لا ينصب فقط حول نبوءات الخيال العلمي ولكنه ينصب أيضاً على فرد مواضيع متعددة لمنجزات علمية حديثة وقديمة وأيضاً لرواد أدب الخيال العلمي الكلاسيكين ولا أعرف لماذا لم يسلط الكاتب الضوء على كتّاب الخيال العلمي الآن إلا قلة منهم، وبالتالي وجدت أن عنوان الكتاب غير مناسب لمضمونه ومحتواه فهو لا يعني فقط بنبوءات الخيال العلمي ولكنه يطرق إلى كل ما يتصل بالخيال العلمي، فكان أولى تسمية الكتاب بأنه كتاب عام في الخيال العلمي، في حين أن العنوان يوحي بالتخصص في جزئية معينة في الخيال العلمي. أيضاً كان من الغريب أن خصص الكاتب مساحة واسعة لمكتشفات ومنجزات علمية لعلماء، بعضها لم أجد صلة بينه وبين محتوى الكتاب فأفرد على ما أظن موضوع كامل لأينشتين و عن حياته ومنجزاته العلمية وعلماء آخرين أيضاً في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، بشكل خرج بالكتاب في بعض صفحاته عن كونه كتاب في الخيال العلمي إلى كتاب في تاريخ العلم! بعضها كان مبرر للربط بينها وبين تناول أدبي لبعض هذه الموضوعات العلمية وبعضها كان استرسال من الكاتب في الحديث عن تاريخ العلم! أشار الكاتب أيضاً لبعض رواد الخيال العلمي وعن تنبوءاتهم بمنجزات علمية مستقبلية في أعمالهم ولم يطلعنا على طبيعة هذه التنبوءات، فقط اكتفى بأن أعمالهم استبصرت ببعض المنجزات العلمية المستقبلية التي لم يفصح عن كنهها وأعتمد على نماذج قليلة التي طرح فيها طبيعة تكهناتهم نحو المستقبل وما صح منها. الكتاب في مجمله شيق، لن تندم أبداً على قراءته وستستمع حقاً بقراءته حتى إن لم تكن تهوى كتابات الخيال العلمي ولكن سيثير فضولك أن تتعرف على هذا المجال وإن كنت من محبي الخيال العلمي فهذا الكتاب نشر خصيصاً لك وأتصور أنك ستستمع به كثيراً وكنت أتمنى من الكاتب أن يفرد فصل كامل يتحدث فيه عن رواد الخيال العلمي من العرب ولكنه لم يفعل ذلك وأن يناقش قضية ما يكتبه كتّاب الخيال العلمي في العالم العربي وموقفه الشخصي منه ولكنه لم يفعل ذلك. ملحوظة شكلية: بعض صفحات الكتاب مكررة على إمتداد الكتاب كله، عدة مرات اصطدم بصفحات يتم تكرارها
وبمناسبة حديث الكاتب عن الثقوب السوداء، أحب أن أقول أنه في صغري قرأت كثيراً عن الثقوب السوداء وما أشتهر عنه أنه بوابة للعبور عبر الزمن سواء للماضي أو المستقبل تقريباً و يقول الكاتب في صفحة 36 ما يدور حول نفس هذا الكلام: " أن ستيفن هوكينج قام بحل أحد ألغاز الثقوب السوداء؛ حيث برهن أنها ليست سوداء بشكل مطلق،بل تبث إشعاعاً يطلق عليه حالياً إشعاع هوكينج، كما أنها بوابات شبه مضمونة للسفر عبر الزمان والمكان"
كانت قديماً بالنسبة لي نظرية مبهرة للغاية وتتوافق مع حلم أي بشري للإرتحال عبر الزمن ولكن قرأت فيما بعد نظريات علمية أشد منطقية وموضوعية عن هذا الخيال العلمي وهي تقول الآتي:
الثقب الأسود هو منطقة في الفضاء ذات كثافة مهولة (أي تحوي كتلة بالغة الكبر بالنسبة لحجمها) تفوق غالباً مليون كتلة شمسية، وتصل الجاذبية فيها إلى مقدار لا يستطيع الضوء الإفلات منها، ولهذا تسمى ثقبا أسوداً.
يتكون الثقب الأسود بتجمع مادة كثيرة تنضغط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، وتلتهم معظم ما حولها من مادة حتى تصل إلى حالة ثقب أسود، وكل هذا يحدث فيها بفعل الجاذبية، وهي نفس قوة الثقالة التي تتكون بواسطتها النجوم ولكن النجوم تتكون من كتل صغيرة نسبياً؛ فالشمس مثلًا لها 1 كتلة شمسية أما الثقب الأسود فهو يكون أكثر كتلة من 1 مليون كتلة شمسية.
تزداد الكثافة للثقب الأسود (نتيجة تداخل جسيمات ذراته وانعدام الفراغ البيني بين الجسيمات)، فتصبح قوّة جاذبيته قوّية إلى درجة تجذب أي جسم يمر بالقرب منه مهما بلغت سرعته وتبتلعه، وبالتالي تزداد كتلة المادة الموجودة في الثقب الأسود، وبحسب النظرية النسبية العامة لأينشتاين فإن جاذبية ثقب أسود تقوّس الفضاء حوله مما يجعل شعاع ضوء يسير فيه بشكل منحني بدلًا من سيره في خط مستقيم.
يعرف الثقب الأسود في النسبية بصورة أدق على أنه منطقة من الزمكان تمنع فيها جاذبيته كل شيء من الإفلات بما في ذلك الضوء. يمتص الثقب الأسود الضوء المار بجانبه بفعل الجاذبية، وهو يبدو لمن يراقبه من الخارج كأنه منطقة من العدم؛ إذ لا يمكن لأي إشارة أو موجة أو جسيم الإفلات من منطقة تأثيره فيبدو بذلك أسود. وقد أمكن التعرف على الثقوب السوداء عن طريق مراقبة بعض الإشعاعات السينية التي تنطلق من المواد عند تحطم جزيئاتها نتيجة اقترابها من مجال جاذبية الثقب الأسود وسقوطها في هاويته. لتتحول الكرة الأرضية إلى ثقب أسود يجب أن تتحول إلى كرة نصف قطرها 0.9 سم وكتلتها نفس كتلة الأرض الحالية أي انضغاط مادتها لجعلها بلا فراغات بينية في ذراتها وبين جسيمات نوى ذراتها وذلك يجعلها صغيرة ككرة الطاولة في الحجم وكتلتها الهائلة تبقى على ما هي عليه؛ حيث إن الفراغات الهائلة بين الجسيمات الذرية نسبة لحجمها الصغير يحكمها قوانين فيزيائية لا يمكن تجاوزها أو تحطيمها في الظروف العادية. من موقع الموسوعة الحرة تحت عنوان "ثقب أسود"، لا يوجد أي حديث للعبور عبر الزمن أو أي شيء من هذا القبيل وأعتقد أنها نظرية علمية جديرة بالاعتبار وأيضاً أسوق لكم واحدة أخرى، من على موقع بي بي سي عربي يتحدث فيها عن ماذا يمكن أن نرى في الثقب الأسود، على هذا الرابط http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2015/05/150513_vert_fut_what_you_would_see_in_a_black_hole الحقيقة لم أعد مقتنعاً بتلك النظرية الطفولية عن أنه بوابة للعبور عبر الزمن وأشكك في قائليه ولا أقصد كاتب المقال ولكن من ينادون بهذه الفكرة وأعتبرها فكرة طفولية للغاية تعارض العلم ولا تتفق معه ولكن لا بأس من طرحها أدبياً فهي مثيرة وشيقة، في إطار أدبي فقط ولكن في إطار علمي فهي تصبح وقتئذ طفولية للغاية. وأذكرأن الدكتور زغلول النجار تحدث في إحدى حلقاته عن الإعجاز العلمي في القرآن وتحديداً عن الثقوب السوداء باعتبارها مكانس فضائية عملاقة تمتص كل المذنبات والكويكبات في الفضاء وأن دورها ينحصر في كنس الفضاء من الشوائب وهو بعيد كل البعد عن ما طرحه الكاتب نقلاً عن ستيفن هوكينج. يكفي أن أقول إجمالاً أنه كتاب جيد شيق أنصحك بقراءته وأتمنى التوفيق لكاتبه.
Kommentare