لا أرى أن أدب الخيال العلمي أو الرعب أو الإثارة الحركية أو أدب الأساطير أقل مكانة في عالم الرواية عن باقي التصنيفات والألوان الروائية الأخرى كما يقول البعض الآخر من كتّاب ونقاد يتأففون من هذه النوعية من الروايات، لا أتفق معهم في ذلك تحت أي مبرر، هناك معايير محددة لبناء أي عمل روائي مهما كان لونه الروائي، معايير معروفة يتم على أساسها تقييم وتحليل بنيان العمل الروائي، إن حاز العمل على أعلى التقييمات وفق هذه المعايير أياً كان لونه فهو عمل جيد جداً أو رائع بالفعل، هذا جانب لا ينضوي تحت لواء الرأي أو الذائقة الشخصية للناقد أو القاريء ولكن منهجية معينة في تحليل أي عمل روائي متبعة أما أن يوافقها العمل أو لا، هي لا تخضع لرأي أو هوى، أما الجانب الآخر، لماذا يتعامل القاريء العربي مع أدب الخيال العلمي العربي على أنه أدب غير ذي شأن؟، فهذا أرجعه لعدة أسباب.
أولاً: لم أقرأ أدب خيال علمي عربي إلا ووجدته استنساخ ولا أقول تقليد أو إعادة طرح ولكن أقصد المعنى الحرفي للكلمة "استنساخ" لأدب الخيال العلمي الغربي وأفلام الخيال العلمي الغربي، ويتمحور أدب الخيال العلمي في العالم العربي على نوعين من الاستنساخ.
أولاً: روايات خيال علمي على نسق star war، سلسلة الأفلام المشهورة.
ثانياً: نوعية أفلام وأدب غزو الكائنات الفضائية لكوكب الأرض.
ما رأيت كاتب خيال علمي عربي يخرج عن هذين الموضوعين، قالب معروف مستنسخ يتم تداوله بين كافة كتّاب الخيال العلمي العربي!، قد يرى بعض كتّاب الخيال العلمي أني أتجنى عليهم بقولي هذا ولكني ما قرأت إلا هذا في أدب العرب من الخيال العلمي. ثانياً: أدب الخيال العلمي الغربي إلى حد كبير (ليس على نحو الدقة) من الممكن أن أقول أنه تجاوز هذين النوعين، لازال هناك أدب خيال علمي غربي يتناول هذين النوعين ولكن تغلب عليه نوعية أخرى من أدب الخيال العلمي أصبح الأكثر إثارة والأقرب إلى مخيلة قاريء اليوم ويمكن ضرب أمثال بذلك مثل أفلام artificial intelligence و I robot وأول فيلم من سلسلة أفلام planet of apes و أيضاً فيلم minority report وهكذا، هذه أمثلة ليست للحصر ولكن لتوضيح الفكرة، أعطت بعد جديد لأفلام الخيال العلمي والتي حتى لم أرى لها استنساخاً بين كتّاب أدب الخيال العلمي العربي! إذن نحن أمام كتّاب خيال علمي عرب لازالوا في أسر المرحلة الكلاسيكية من الخيال العلمي لم يتجاوزوها بعد وجيل اليوم من القراء بفضل القفزات العملاقة للتكنولوجيا تجاوز هذه المرحلة، كانت تناسب جيل الثمانينات والسبعينيات ولكنها لم تعد مناسبة لما بعد ذلك حيث كان نبيل فاروق هو رائد هذه المرحلة من أدب الخيال العلمي وكان رائجاً جداً وقتها ولم يعد رائجاً الآن ولازال كتّاب الخيال العلمي العرب مصريين عليها. هناك جانب آخر إذا تم تناول أفلام من نوعية artificial intelligence للأسف لن تكون مهضومة بالنسبة للقاريء العربي لأنه عندما يقدمها الغرب فلديهم مقدمات تكنولوجية تواكب مثل هذه النوعية من الأفلام وتكون أرضية خصبة لها، مقبولاً فيها مساحة الخيال هذه، لديهم من التكنولوجيا حالياً ما يبرهن على ذلك ولكن بالنسبة للدول العربية ستبدو منتقدة غير مهضومة لا تحظى بالمصداقية فنحن من فرط التخلف حيث أنه لو أدعى كاتب أن دولة عربية انتجت سيارة لأمتعض وقال لقد شط الكاتب بخياله!، فما بال هذه النوعية الأعلى من أدب الخيال العلمي. فلذلك ألتمس بعض العذر لكتّاب الخيال العلمي في هذا الجانب، ولكن هل يعني ذلك أن يتوقف كتّاب الخيال العلمي عن الكتابة في هذا اللون الأدبي؟، لقد أوصدت في وجوههم جميع الأبواب بكلامي هذا، أقول لهم لا، من الجائز جداً أن يتحول كاتب الخيال العلمي من كتابة رواية خيال علمي إلى كتابة رواية علمية، سيتضح المعنى بمثال سأضربه لمن قرأ لدان براون رواية "حقيقة الخديعة"، الرواية بإيجاز شديد تدور حول فكرة اكتشاف علماء ناسا لنيزك فضائي في منطقة الألسكا قّدر عمره بأربعة ملايين سنة ووجدوا عليه مستحثات تنبيء بوجود شكل من أشكال الحياة على كوكب المريخ ومن هنا تدور الرواية حول طرح علماء ناسا لهذا الاكتشاف وتشكك علماء أوربيين في هذا الطرح ومن ثم ارتحال وفد من علماء أوربيين لألسكا للكشف على النيزك ويدور صراع علمي مشوق بين علماء ناسا ووفد العلماء الأوربيين حول هذا الأمر، وهذا الكشف العلمي الذي أعلنت عنه وكالة ناسا هو حقيقي وقرأت الكتاب الخاص به والذي استمد منه دان بروان مادة عمله الأدبي. إذن هل من الممكن أن يتحول كاتب الخيال العلمي إلى كاتب علمي؟، نعم من الممكن ذلك، ربما بل أقول من المؤكد أن هناك بحوث علمية مصرية أو عربية لم تحظى بأي تغطية إعلامية من قبل الأنظمة العربية مثيرة للجدل، تصلح أن تتحول لرواية علمية مثيرة، فقط الأمر يحتاج لبحث دقيق ومجهد من الكاتب، يحتاج لأن يقرأ له عدد من الكتب وآراء علماء مع و ضد ومقالات حول هذا البحث العلمي الكائن في مكان ما، صناعة عمل روائي علمي مثل هذا قد يتطلب من الكاتب تمضية نحو عامين في طريق البحث والتحري والتقصي وسؤال المختصين حتى يصل لمادة جيدة ليبدأ منها كتابة عمله الروائي وربما عام آخر ليكتب الرواية وينقحها ويهذبها ويراجعها عدة مرات، فهل يفعل كتّاب الخيال العلمي ذلك؟، أسف في قولي هذا والذي سيبدو كهجوم لاذع عليهم، لن يفعلوا ذلك فهم من فرط كسلهم وركونهم إلي السهل سيستمروا في استنساخ النمط الكلاسيكي من أدب الخيال العلمي على وزن أفلام حرب النجوم فهي غير مكلفة، غير مجهدة، غير متعبة، لا تستلزم الوقت الكثير لكتابتها، هي فقط بضعة أسابيع أو أيام ليكتبوا 150 رواية خيال علمي كما فعل نبيل فاروق من قبل!، عليه فقط أن يستدعي ذاكرة الاستنساخ ليكتب كل هذا الكم من حبكة وموضوع معروف سلفاً، وهو أمر غير مرهق أو متعب. وللأسف ينصرف غالبية كتّاب الخيال العلمي للوم القاريء خاصة والمجتمع عامة على قلة ثقافته العلمية وعدم إكتراثه بالعلم وأنه لا يقع ضمن مجالات اهتمامه، هو بالنسبة لي حق أريد به باطل!، لماذا؟، لأننا نشارك على نحو ما ككتّاب في صناعة الاهتمامات الثقافية المختلفة للقاريء، هذا أحد الأدوار التي نضطلع بها وهو رفع المستوى الثقافي لدى القاريء، ولكن يظل كتّاب الخيال العلمي يلقون باللائمة على القاريء !
القاريء متشوق لعمل جيد محكم ثمين ثري، أما مائة وخمسون رواية على شاكلة ما كتبهم نبيل فاروق في سلسلة ملف المستقبل، كانت وجبة جيدة لأجيال السبعينيات والثمانينات لأنه لم يكن هناك نت ولا قفزات تكنولوجية عملاقة كما هو الحال اليوم وبالتالي فكان ما يقدمه هو وجبة جيدة دسمة مبهرة بما يتوافق مع معطيات هذين العقدين من الزمن، أما والآن الأمر تغير تماماً، فروايات الخيال العلمي أشبه بالتكنولوجيا بحاجة إلى تطوير مستمر وما يتم عرضه حالياً في أدبيات الخيال العلمي العربي تجاوزته التكنولوجيا وللأسف أصبح محط سخرية واستهجان من الكثيرين، فمتى يدرك كتّاب الخيال العلمي هذه الفجوة الزمنية بين ما يكتبون وبين معطيات اليوم التي يعيش عليها قاريء اليوم.
Kommentare