رواية ربما تطعمنا يد الله للكاتب تامر عطية، لا استطيع وأنا أكتب هذا المنشور أن أدعي الحيادية بأي شكل من الأشكال، حقيقة، لن أكون حيادي بالمرة في هذا المنشور وبالتالي جل المنشور سيخضع لرأي الشخصي، لأن الخوض في الحديث عن تحليل عناصر بناء الرواية مع كاتب مثل تامر عطية هو درب من العبث، فليس كاتب بهذه القامة (وهذا ما أراه أنا شخصياً) من يجب أن نحلل له عناصر ومقومات بناء الرواية فهو كاتب واعي تماماً بكيفية استخدام أداوته. هكذا أنا أرى الكاتب تامر عطية، إذن على ماذا سيدور حديثي حول روايته ربما تطعمنا يد الله، ستدور حول الفكرة البسيطة جداً التي استخدمها الكاتب وصنع منها رواية رائعة، فكرة الجوع، هذا هو محور العمل كله، بطل العمل يعاني من آفة الجوع وعلى هذا الأساس تدور أحداث العمل كلها. إذن ما الذي يمكن أن يستفيده كتّاب هذه الأيام من رواية كهذه؟، ليست الأهمية في الفكرة المطروحة، إطلاقاً، فلتأتي بأكثر الأفكار بساطة وإستهلاكاً ولكن يبقى براعتك ككاتب في معالجة هذه الفكرة من منظور مغاير مختلف تماماً، أن تمتلك من الطاقات التعبيرية للغة التي تجعلني أنظر لهذه الفكرة من منظور مختلف تماماً، كأنني أراها لأول مرة. حقاً على من يهتم بالكتابة ويحب أن يمارسها، عليه أن يقرأ أعمال هذا الكاتب، نعم فلتقل أني أبالغ في تمجيد كتاباته وإعطاءه مكانة فوق ما يستحقها، لك الحق أن تقول ما تشاء، ولكن دعني أقولها بالعامية الدارجة :" اسمع مني مش لازم تشتري". فلتنظر كيف يرسم الكاتب شخصياته، كيف يستخدم اللغة ببراعة لسبر أغوار شخصياته وأن يستخرج لك خبيئتهم وعللهم النفسية ويرسمها لك في صورة جمالية رائعة. أن يصنع من الحدث البسيط لوحة فائقة الجمال. حقاً لمن يرغب في صناعة عمل جيد جداً، عليه أن يقرأ روايات هذا الكاتب، أني أبالغ ولكن لن يضرك أن تجرب نصيحتي. كيف من الممكن أن تتحول فكرة بسيطة؛ لرواية رائعة؟، كيف من الممكن أن أسرد لك بضعة أحداث بسيطة لم يتقلب ذلك الكاتب يميناً أو يساراً أو ينقلب على رأسه حتى يحاول جذبك من ياقة قميصك لقراءة هذا العمل عن طريق التشويق في صناعة الأحداث، ولكن مكمن البراعة في أن يضع أمامك جملة من الأحداث البسيطة ورغماً عن ذلك تجدها مبهرة وبشدة، مربط الفرس في كل ذلك يمكن في الطريقة السردية التي استخدمها الكاتب، من الممكن أن تقلب أي رواية رأساً على عقب، أما أن ترفعها إلى عنان السماء أو تخسف بها. رجاءً تعلموا كيف تكون الكتابة؟ كيف يكون البناء الفني للعمل؟ هذا منشور في المدح والثناء على أعمال هذا الرجل، فلتقل ما شئت، نعم أني سكرت من كتابات هذا الرجل وأدعوك لأن تسكر معي من كتاباته كما سكرت أنا أيضاً. أنظر كيف يتسخدم الرواي؟، فلتتأمل أيضاً كيف بمنتهى الخبث سرب كل آراءه وأفكاره وفلسفته الخاصة حول الجوع بدون أن يشعرك للحظة واحدة أنها أفكاره ذاتها أو فلسفته الخاصة نحو تفسير الجوع. سربها لك كلها بدون أن يشعرك بصوته. هذه مهارات كتابة يا أخواني في كيف تكتب رواية؟ هذا أمر لا يتأتي بالموهبة ولكنها بوعي كامل بمهارات الكتابة وتقنياتها. أنظر كيف استخدم حيل كتابية لأن تتبني موقفاً ربما يكون مخالفاً لتصوراتك وقناعاتك بدون أن يبثها لك في رسالة مباشرة. كيف يستطيع أن يتلاعب بعقلك لتتبني عكس ما تؤمن به؟ هل تتصورون أن هذا ينبع فقط من الموهبة؟، إطلاقاً. ولكنه ينبع من دراسة وجهد مبذول وقراءة بنهم شديد، وتحصيل ومحاولات كثيرة للتجريب. متعة أن تقرأ لكاتب يعي ما يكتبه جيداً، يعرف كيفية توظيف المصطلح والمفردة والكلمة والتفريق بين المتشابهات من الكلمات. ليست كتابة عبثية، ليس مجرد رجل يجنح لتسجيل ما يرد على خاطره بدون أي مراعاة للتقنيات وللحيل الأدبية والمهارات الكتابية، بل هي تنبع من دراسة ووعي وتحصيل ومذاكرة لتأثير الكلمة من زواية الخطاب والمخاطب والمتكلم، واعي بأشكال وأنواع السرد والأسلوب الأدبي المستخدم والمناسب للموضوع المطروح. حقيقة فاته الكثير من لم يقرأ للكاتب تامر عطية أعماله، أنصح كل شخص يحب الكتابة ويهتم بأن يبذل فيها مجهود جاد وحقيقي أن يقرأ لهذا الكاتب. شكراً لأنك تعتبر من ومضات النور القليلة في عالم الكتابة اليوم.
Comments