إذا كنت ككاتب ستتجه نحو إدراج اللون البوليسي في أي عمل روائي لك، هل من الضروري أن تلعب على عنصر "البحث عن القاتل الحقيقي". قد يكون عامل تمارسه كلعبة أدبية داخل عملك الروائي ولكن لا يجب أن يكون العنصر الأهم أو الأوحد، لا تعتمد عليه في صناعة عملك الأدبي، لأن هذا العنصر منفرداً كفيل بأن يحطم عملك الأدبي على صخرته فور أن ينتهي منه الكاتب، يجب أن تسانده وتعضده عوامل وعناصر أدبية أخرى داخل العمل تنهض به وتجعل القاريء يعود لقراءة هذا العمل المرة تلو الأخرى. وإن لم تهتم بعنصر "البحث عن القاتل الحقيقي" في العمل الروائي إن كان بوليسياً أو يحمل ملمحاً بوليسياً، هل يضر هذا فنياً بالعمل؟، لا يضر بالعمل وكما قلت، يجب أن لا يكون شغلك الشاغل أو أن تراهن عليه منفرداً. أن تكشف أوراقك كاملة أمام القاريء وأن لا تجعله يخمن الفاعل الحقيقي وراء الجرائم، لن يضر بعملك، لن يفقد القاريء حماسته لإكمال العمل، لأن لو هذا العنصر هو جل ما تراهن عليه، تأكد أنه فور أن ينهي القاريء عملك لن يعود إليه مرة أخرى ولن يعلق بذاكرته أكثر من دقيقيتين بعد قراءته! لأن هذا النوع من الكتابة، يعتبر من نوع الكتابات المحترقة، والتي تحترق فور أن ينتهي منها القاريء، لن يصاحبه الشغف السابق وهو يقرأ العمل لأن الرواية كلها تتمحور حول من هو القاتل؟! كما أسلفت يجب أن يعضد هذا العنصر عناصر أخرى يمكن أن تكتب لهذا العمل الاستمرارية لفترة أطول وأن يعود القاريء لقراءة العمل لأنه لم يعد مهموماً بمن هو القاتل بقدر انشغاله بالعناصر الأخرى المتضمنة في العمل. إذن لن يضر كشف أوراقك كاملة أمام القاريء ولا تجعل شغلك الشاغل أن يفشل القاريء في التخمين ثم تفاجئه أنت بمن هو القاتل، فلينصب تركيزك على إدارة الحكي نفسه، وبناء الحكي نفسه ورسم الشخصيات والبيئة التي تزرع فيها حكايتك، كيف هي وكيف يجب أن تكون وكيف يستطيع أن يهضمها القاريء وتمتصها عروقه وتسلل إلى خلايا مخه فترقد هناك. أن يستمتع بجماليات السرد لديك ولغة الحكي، كيف قمت بتلوينها بألوان لم تمر من أمام عيني القاريء من قبل، كيف استطعت في لحظات كثيرة سبر أغوار الشخصيات واستنطاق العقل اللاواعي داخل كل شخصية، أن ترسم انفعالات الشخصيات بدقة ليغرق معك القاريء كلية في العمل. في روايتي التربة الحمراء لم يكن شغلي الشاغل أبداً أن أحجب عن القاريء هوية القاتل أو أن يجد صعوبة في التعرف عليه، فأنا أكشفه للقاريء كلية ولا أبالي أن أجعل هذه لعبة أراهن عليها وأن نجح القاريء في تخمين شخصيات أخرى تقف وراء القاتل وتحركه أو تدفعه إلى ما يقوم به من جرائم مسلسلة فلن أشعر بالاستياء أو الإحباط أن القاريء نجح في تخمين من يقفون وراء القاتل. ولكن جعلت شغلي الشاغل هو عنصر الحكي نفسه والوصف، ورسم الشخصيات ودمج الحقيقي بالمتخيل، بأن أدفع القاريء مرات عديدة لأن يقرا هذه الرواية، لربما أكون نجحت في ذلك أو لا، فالحكم وقتها للقاريء في هذا الأمر ليس لي أن أبت بشأنه بالإيجاب أو السلب. إذن طالما قررت أن تخوض غمار اللون البوليسي في عملك الروائي أو جعلته أحد عناصر العمل، لا تجعل لعبة "من القاتل" هي شغلك الشاغل لأنك تنجرف بسرعة كبيرة من أعلى المنحدر إلى أسفله باتجاه الروايات المحترقة التي ينتهي تأثيرها فور إعلان المفاجأة. أنت يا سيدي على هذا النحو كتبت رواية ميتة، حكمت عليها بالموت في آخر صفحة، لا تفعل ذلك وتدفن عملك على هذا النحو. تلك الحيل الأدبية في اللون البوليسي، هي من باب الأعمال الأدبية التي تندرج تحت عنوان روايات التسلية، التي يزول سحرها وتأثيرها فور الإنتهاء منها. لربما يحب بعض القراء هذه اللعبة ولكنها لعبة تعطب فور الإنتهاء من قراءتها لا يكتب لها الاستمرار أو البقاء فحاول أن تجعل أعمالك الأدبية عامة لديها القابلية للاستمرار، لا تحرمها من الحياة لأمدٍ طويل.
Comentários