رواية أرض زيكولا للكاتب عمرو عبد الحميد، إصدار دار عصير الكتب، العمل يقع في أكثر من مئتي صفحة.
يتوقع البعض منذ بداية هذا المقال أنني سأشرع في مهاجمة العمل ومهاجمة صاحب العمل وأن أضعه في خانة الـ90% من الكتّاب الفاشلين وأعلن عن استيائي من كتّاب هذه الأيام.
ولكن الأمر مختلف هذه المرة، وفق معايير النقد الأدبي والمقومات التي تحكمه فأنت أمام عمل من الناحية النقدية نفذ بشكل جيد.
انطبقت عليه المعايير وفي كل معيار تنوع مستوى الكاتب بين الجيد والمقبول، وقد استخدم الكاتب من أنواع الرواة: الرواي العليم بكل شيء وهو من الرواة الخارجيين.
رسم الشخصيات من حيث الانفعالات وردود الأفعال وسبر أغوار شخصياتهم وتصوير مشاعرهم النفسية (أحياناً فعل ذلك في سبر أغوار الشخصيات) يعتبر جيد.
الحبكة جيدة، رسم الأحداث جيد، متناسق، يتبع نوع السرد التسلسلي والحبكة ككل جيدة تتصاعد فيها وتيرة الأحداث حتى تصل للذروة ثم الحل ثم تتصاعد الأحداث مرة أخرى باتجاه الذروة ثم الحل وهكذا حتى نهاية العمل، وهي في كل مرة تتأرجح بين المقبول والجيد.
لن تشعر بأي ملل في الأحداث أو استطراد أو محاولة لإطالة صفحات العمل ولكن تبدو كل الأحداث في العمل إجمالاً ضرورية ومقدمات لأحداث لاحقة لا تحمل في طياتها أي حشو زائد.
وعيه بطبيعة اللهجة المستخدمة في الحوار بين شخصيات العمل كان وعياً كاملاً طول خط العمل بين الانتقال من الفصحى إلى العامية وهي لها ضرورة فنية في العمل ولم تأتي إعتباطاً.
وهذه نقطة جيدة تحسب للكاتب وهو وعيه باختلاف اللهجات في الحوار بين الشخصيات.
عندما قرأت اسم العمل زيكولا، توقعت أنني سأكون أمام مدينة أغريقية باسماء أغريقية في جو أغريقي تماماً، وهذا ما دفعني للتحفز ضد العمل بداية.
ولكن الكاتب يحسب له أن تفادى كل ذلك وصنعها في جو عربي يعتبر جديد نسبياً على الروايات الفانتازية لأدباء عرب وبرر بشكل جيد مخالفته للنمط المعهود وهو أمر بالنسبة لي يحسب له أنه خالف النمط المعهود وكما أسلفت جاء التبرير منطقياً ومقبولاً، فالأسماء كلها في هذه الأرض عربية.
لا أعلم فكرة التعامل بوحدات الذكاء بدلاً من النقود، هل هو من أنفرد بها عربياً؟، حقيقة لا أعلم، لربما هو من أنفرد بها ولربما سبقه آخرون إلى هذه الفكرة ولكني أعتقد على مستوى العالم الغربي فهي كانت مطروحة من قبل، ولكن لا يعيبه أنه استخدم فكرة سبق طرحها ولكن الجيد الذي يحسب له أنه استطاع معالجتها بشكل جيد.
وهي تقوم على أن الأقل حظاً في الذكاء هو الذي يعتبر الأفقر في هذه المدينة وبالتالي يذبح وفق هذا المفهوم في يوم زيكولا السنوي.
لم يضع أي تصورات أسطورية أغريقية عن هذا العالم ولكنه وضعها في إطار من الفانتازيا المقبولة التي حاولت ألا تتأثر بالنمط الغربي بقدر الإمكان.
ولكنه وضع تقسيم يكاد يكون معروفاً لتلك العوالم المتخيلة، وهو تقسيم لا أقول ضروري أدبياً ولكنه الأسهل في تعامل الكاتب عند بناءه لهذا العالم المختلف، أن يقوم بتقسيم ذلك العالم إلي مناطق شرقية وغربية وشمالية وجنوبية وأن يتسم طابع هذا العالم بالبدائية نحواً ما، وأن يكون المستوى التكنولوجي لهذه العوالم بدائياً مما لا يلزم الكاتب بوضع تركيبة اجتماعية وهيكلية معقدة لهذا العالم قد تؤدي لأن تفلت منه أحداث العمل الذي يحاول لملمة خيوطه، فوضعها ضمن تقسيمات بسيطة وطبقات اجتماعية بسيطة تُسهل على الكاتب الإمساك بخيوط الحكي، هل هذه توطئة لأن هذا يعيب الكاتب؟، لا أعتقد ذلك ولكني أحب روح المغامرة لدى الكاتب الذي يسعى إلى تعقيد العمل ومن ثم يضع نفسه أمام تحدي لأن ينجو بعمله من تلك العقبات التي وضعها لنفسه ولكن الكاتب لم يفعل ذلك وفضل تقسيمة تلك العوالم التي تسهل عليه الحكي.
بقىَّ أمام الكاتب أن يضع العراقيل الواحدة تلو الأخرى أمام بطل العمل (خالد) لينجو منها جميعاً بشكل منطقي ومقبول في سبيل خروجه من هذه الأرض والعودة إلى موطنه وأن يضع حبه لحبيبته الأولى في كفة وحبه لحبيبته الثانية في كفة أخرى وأن يفاضل بينهما وهو أمر له معالجتان معروفتان لا يخرج عنهما الكاتب الذي يجنح للحلول السلمية!، أما أن يظهر الحبيبة الأولى بمظهر الخائنة أو الثانية وبما أنه لم يلجأ لهذا الحل فكان أمامه الحل الآخر وهو أن يجعل إحداهما تضحي من أجل الأخرى وذلك لأن القاريء نوعاً ما لا يفضل حلول أخرى خارج هذين الإطاريين، فقرر الكاتب ألا يغامر ويخسر جمهور قراءه أو أن يعبروا عن استيائهم إذ حاول أن يجرب معالجة ثالثة قد تجلب سخطهم الشديد أو إعجابهم بالفكرة، فإي معالجة ثالثة محفوفة بالمخاطر ونسبة الخسارة والمكسب فيها 100% وبالتالي فضل الكاتب ألا يجازف ويختار إحدى المعالجتين الأكثر قبولاً وشيوعاً لدى القاريء، مرة أخرى كنت أفضل أن تكون لديه روح المغامرة ولو على حساب خسارة القاريء ولكن أيضاً لم يعيبه أنه لزم السلامة في هذا الأمر وخاصة وأنها مقبولتان.
وضع الكاتب أمام بطل العمل عقدة أخيرة كلنا نعلم مسبقاً أن بطل العمل سينجو منها مهما بدا لنا أن كل العوامل تنبيء بأنه لا سبيل لنجاته وأن يرسم الأحداث الأخيرة بطريقة توحي بيقينية عدم نجاة البطل حتى يُعجز القاريء السؤال المؤرق: كيف سينجو؟! ولكنه يجعله ينجو، هل يمكن هضم المعالجة الأخيرة؟، إلى حد ما يمكن قبول هذه المعالجة الأخيرة، سأعتبرها معالجة مقبولة خاصة وأني استشعرت من العمل أنه ينوي أن يصنع له جزءاً آخر وهذا ما عرفته من خلال حديثي مع إحدى الكاتبات الفاضلات والصفحة الأخيرة من العمل أكدت لي هذه الفرضية فتقبلت الأمر على النحو الذي يدفعني للقول أن بناء العمل ككل يشفع له هذه المعالجة الأخيرة في إطار المقبولية وإن لم ترق للبعض الآخر، ما صنعه سابقاً شفع له هذه الخاتمة إلى حد ما.
بناء الأحداث والخط الدرامي هو أسير للضغط الكبير الذي تمثله لنا صناعة السينما الأمريكية، كلنا نقع أسرى هذا الضغط الكبير للسينما الأمريكية، من الصعب أن نفلت منه، نحاول أن نتحرر من ضغط هذا التأثير الضخم ولكن بشكل أو بآخر نسقط أسرى له، فبالتالي لا استطيع أن أعيب عليه هذا الأمر لأنني أتصور نفسي قد وقعت أسيراً له ربما في بعض أعمالي.
وكثير من الكتّاب أيضاً هم أسرى لهذا الضغط الرهيب من العالم الآخر المتقدم، ولكن يحسب للبعض منا أنه يحاول التحرر ولو جزئياً من تأثير هذا الضغط الثقافي الهائل، وألوم في نفس الوقت من يسقط أسيراً بالكامل لهذا الضغط.
أمراً أخيراً وهو أنني سأسقط من حساباتي تماماً وأنا أقرأ هذا العمل كلمة الطبعة الـ31 من على غلاف العمل، أصبحت لا أثق في هذه العبارة تماماً، وأدرك على نحو كبير أنها تندرج تحت رغبة الدار في الترويج والدعاية لأعمالها بأن تضع أرقام زائفة لطباعاتها وأن تكتب أنها من ضمن البيست سيلر وأشياء من هذا القبيل على سبيل الترويج والدعاية، فبالتالي هذه الكلمة تمسحها عيناي تماماً من مجال رؤيتي لفقداني الثقة بمصداقيتها.
يبقى أن أقول وأنا أختم منشوري هذا، أنه عمل جيد، أرشحه لغيري لأن يقرأه وأنه لن يندم عليه والتشويق في الأحداث يقطع الملل تماماً، وإن كان لديك الوقت الكافي للقراءة فإنك على الأرجح ستنهيه في جلستين ليس أكثر.
وأما مسألة ميل البعض لهذا العمل ونفور البعض الآخر منه، هنا يندرج هذا الأمر تحت باب الذائقة الشخصية أما من حيث تحليل عناصر بناء الرواية، أتصور أنها تتوافق وتتماشى مع المعايير إلى حد لا بأس به.
أريد فقط أن أذكر أمراً آخر تذكرته للتو، في هذه الجزئية قد يعيب الكاتب هذا الأمر ولكن يعيب دار النشر أكثر، وهو أن العمل في بعض تراكيب الجمل تحتاج إلى إعادة صياغة أدبية وهذا يندرج تحت باب التحرير الأدبي للعمل، ووفق تحصيلي أنا الشخصي من اللغة العربية، لم أرى أخطاء لغوية نحواً أو إملاءً، ولكن وجدت ارتباك في الصياغة في عدد من الجمل، وهذا يعيب دار النشر أكثر مما يعيب الكاتب.
بالتوفيق لكاتب هذا العمل في أعماله القادمة.
Comments